إنفلونزا الخنازير..التأجيل يطارد العام الدراسى
بالرغم من أن قرار تأجيل بداية الفصل الدراسى الثانى الى 22 فبراير الحالي، كان «مفاجئا» فإن الكثيرين يتوقعون مد الإجازة أسبوعا آخر، بسبب انتشار انفلونزا الخنازير، وهو ما لم تؤكده أو تنفه وزارة التربية والتعليم، ولايزال أولياء الأمور والطلاب والمعلمون فى حيرة من أمرهم
كيف سيتم شرح المقررات التعليمية فى الفترة المتبقية حتى بداية امتحانات نهاية العام الدراسي، التى لا تتجاوز شهرين ونصف الشهر؟
تحقيقات «الأهرام» رصدت آراء أولياء الأمور وخبراء التعليم ومطالبهم فى هذه السطور..
فى البداية يؤكد محمد الإمام ـ محام ـ وولى أمر 3 تلاميذ بالمراحل التعليمية، أن هذا القرار أراح الجميع من عناء المذاكرة وتعذيب الأولاد يوميا بالذهاب للمدرسة، واختصر وقتنا لدرجة كبيرة، فالأولاد يذهبون للمدرسة قبل السابعة صباحا ويعودون بعد الدراسة عصرا وسط زحام ومشكلات وقلق وتكاليف، فى الوقت الذى نقوم فيه بالمذاكرة معهم، فالمدرسة الحقيقية توجد بالمنزل، لذلك فالعملية لا تفرق كثيرا ولكن ننتظر أن نعرف هل هناك أجزاء ستحذف من المنهج، أم هل ستتم إطالة العام الدراسى فى مقابل هذا التأجيل؟!، ومع ظروف الدروس الخصوصية فإن هذه ميزة أخرى تريحنا منها، وتعطى راحة لأولادنا من عذاب طول العام الدراسى ولعلهم يراعون كل ذلك فى مستوى الامتحانات التى كانت صعبة فى التيرم الأول.
الأسباب الحقيقية
ويرى الدكتور أحمد حجى أستاذ الإدارة التعليمية بجامعة حلوان ـ أن الخشية الحقيقية من هذا القرار المفاجئ ترجع الى أن السبب الحقيقى ليس لجمع شمل الأسرة، وهو سبب غير مقنع، لأن الطلاب والتلاميذ أخذوا إجازة مناسبة لا يصح أن تمتد أكثر من ذلك، فإذا كانت هناك مشكلة فى الجامعات وهى سبب التأجيل، فليس هناك مبرر لذلك بالتعليم العام، إلا أن يكون السبب هو الخوف من انتشار انفلونزا الخنازير بين الطلاب أو لأسباب أمنية، وليس هناك عيب فى أن تعلن الوزارة السبب الحقيقى وحتى هذين السببين ليسا مقنعين، لأن الأسرة والأولاد يحتكون بالمجتمع يوميا، كما أن الإعلان المفاجئ لتأجيل الدراسة جاء بعد تأكيد الوزير وتصريحاته بأنه لا تأجيل ولا التزام بإجازة الجامعة، بما يعد عشوائية غير مبررة تفقد الناس الثقة فى هذا الأداء أكثر مما هو موجود الآن.
إستراتيجية وهمية
وأشار د. حجى الى أن إعلان الوزير أيضا عن وجود استراتيجية للتعليم حتى عام 2030 تعطى انطباعا بأنه يريد أن يفرض استمراره بالوزارة بدعوى أنه صاحب استراتيجية، والحقيقة أنه ليست هناك استراتيجيات أو غيرها، فهو ليس لديه أى امكانات على الاطلاق لخطة قصيرة المدى يتحدث عنها الى عام 2017، وهذا يدل على استخفاف واضح بالناس والخبراء وأولياء الأمور، والدليل على ذلك أن هذه الاستراتيجية لم تطرح حتى الآن على الرأى العام، ثم يأتى الآن ليقول إن العملية التعليمية ستنتظم بعد أسبوعين، أى بعد أكثر من شهر لمعظم التلاميذ وشهرين لتلاميذ سنوات دراسية بالابتدائى وهذا كثير جدا، وتذكر الوزارة أنه سيتم تطبيق المنهج كما هو دون تعديل أو أى تغييرات أخري، ويعنى ذلك أن هناك حالة استعجال ستكون على المنهج ويتحملها الآباء مع أبنائهم بالمنزل، مع تكثيف الدروس الخصوصية، وطبعا هذا ليس من مصلحة العملية التعليمية، لأن الطالب سيدخل مرحلة أشبه بمن «يسلق بيضا» فلا يهضم المادة ولا يتفاعل معها، ويدخل مرحلة ترديد الببغاء لينسى المادة بسهولة فضلا عن الأثر السلبى والنفسى الذى يتعرض له.
خلل فى المناهج
أضاف أنه لو فرضنا جدلا أنه سيتم حذف أجزاء من المنهج، فإن ذلك يعنى إحداث خلل فى جسم الموضوع وإزاحة معلومات متكاملة ضمن جسد المنهج، فيكون مستوى الطالب ضعيفا فى المادة لينتقل بأى شكل وهمى للعام الدراسى التالى ليكون مستواه أقل من المتوسط، لأن معظم المناهج لها تراكيب تراكمية لا يمكن إغفال شيء منها إلا من عشوائية تعليمية للأسف، ويكفى أن الوزارة توجه جهودها لغير الأساسيات والحقيقة أنه ليس هناك تطوير على الإطلاق ومازالت المناهج لا تلبى العقلية العصرية أو تسهم فى صناعة أجيال متميزة، والعملية التعليمية تجرى حسب رؤية الوزير دون غيره، فإذا كان عديم الخبرة أو غير متخصص فعليك أن تسمع وترى ما لا تتصوره علميا أو تعليميا، فالحقيقة أن الوزارة حاليا بلا رؤية أو هدف أو استراتيجية كما تدعى فى هذه الأيام، فالوزير لم يقض فى منصبه سوى 6 أشهر فقط، هل فهم كل شيء فى الأداء التعليمى وخطط الوزارة؟
مبررات غير مقنعة
وأشار أستاذ الإدارة التعليمية، الى أن مبررات الوزارة مهما تكن غير مقنعة، لأن الحياة تسير بطريقة طبيعية فى المدارس على الأقل، بدليل أن الدولة أقامت معرض الكتاب وهو أول الأماكن التى يمكن أن تكون مستهدفة من الإرهابيين ومع ذلك استمر حتى نهايته (اليوم) دون أى مشكلات، فى علاقة المدارس بالجامعات.. لا ندرى إلا أن يكون هذا القرار مسيئا للعملية التعليمية وإدارة التعليم العشوائية وهذا يرجع لعدم الدقة فى اختيار القيادات عادة فالاختيار لا يتم على أساس الكفاءة والمعرفة والانجاز السابق ولكن بطريقة المجاملة أو على أقل تقدير لسد خانة الوزارة دون دراسة أو مبرر حقيقى للاختيار.
صور للعشوائية
أما الدكتور محمد سكران أستاذ أصول التربية فيرى أن هذا القرار بتأجيل الدراسة هو صورة حقيقية للعشوائية التى تدار بها العملية التعليمية لعدم وجود مبرر على الاطلاق ومع المفاجأة قبل الموعد بعدة أيام، لأن ذلك سيؤثر حتما على العملية التعليمية لمن يفهم طبيعة مدارسنا وطلابنا لأن الدراسة فى التيرم الثانى عادة لا تستمر سوى شهر واحد من منتصف فبراير إلى منتصف مارس، وأن اضاعة هذه الفترة سيشجع التلاميذ على الغياب فى المدة التالية ويعطى انطباعا لديهم بعدم أهمية الدراسة أو الحضور وتدخل الأسرة فى ارتباك نتيجة هذا الاحساس لدى الطالب ويكون هناك قلق وارتباك وعدم استقرار لدى الجميع حتى المدرسين فى الوقت الذى لا نحتاج فيه لكل هذا القلق والتوتر الذى يحاصر حياتنا بل إن هذه ضربة ستفقد الجميع التوازن المفترض فى العملية التعليمية، فما بالك إذا احتجنا أن نطبق أهداف العملية التربوية من خلال الأنشطة التى لابد أن تكون ضائعة حتما لتخرج المدرسة من أهم إطاراتها التعليمية فى تربية الأجيال وبناء الشخصية التعليمية فى كل امكاناتها سواء فى الابداع أو الرياضة أو العلاقات الاجتماعية وهى كلها أساسية للمدرسة وإذا كان هناك من يفهم خطورة هذه العوامل.
وأشار أستاذ أصول التربية إلى أن مشكلة وزارة التربية والتعليم انها وزارة ملاكى للوزير الذى يأتى ليهدم ما فعله من قبله ليبدأ من جديد بمستشارين أو مرتزقة جدد، حسب كل منهم وتضيع الملايين فى اعادة الدراسات والقرارات الجديدة ليضع الوزير بصمة خاصة به فى الوزارة دون اهتمام حقيقى بالأداء التعليمى بالمدرسة والفصل وهما أساس العملية التعليمية فيأتى وزير ثم يأتى آخر، والنتيجة احلال وتبديل بلا نتائج وأصبحنا لا نسمع عن التعليم إلا مظاهرات المدرسين للحصول على الكادر من الدولة ثم يذهبون للدروس الخصوصية، ويكفى أن هناك جداول وهمية لا ينفذها المدرس ولكنه يحضر لتلقى راتبه وحوافزه دون أن يساءل أمام أحد،
مغازلة الوزير
وقال: إنه من المرجح ان قرار الوزارة بتأجيل الاجازة حتى 22 فبراير يرجع إلى مغازلة الوزير لأولياء الأمور حتى يكون هناك رضا عنه وكذلك ارضاء التربويين بانكار حذف أى جزء من الكتب الدراسية أو المنهج وهو فى نفس الوقت يخاطب الرأى العام ممن يعانون من مشكلات مركبة من العملية التعليمية وليكسب الجميع إلى صفه، وهذا لا يمكن ان يحدث فالواضح ان أى انسان حريص على التعليم والمناهج لا يأخذ مثل هذه القرارات مهما حدث ما لم يكن سبب قهرى وهذا غير موجود الآن فليس هناك سبب يقول بالتماثل بين المدرسة والجامعة فكل له ظروفه وأحداثه ومبرراته.
ويرى الدكتور محمد فتح الله الخبير التربوى بالمركز القومى للامتحانات ان جمع شمل الأسرة لا يكون على حساب مستقبل ابنائها لأنه ليس هناك من لديه قدرة للذهاب للفسح أو السفريات إلى مكان نزهة، لأن العملية المادية لا تسمح بذلك لمعظم مستويات المجتمع، وأن الاتجاه لخفض المنهج سيوقع ضررا خطيرا بالعملية التعليمية إلا اذا كان القائمون عليها لا يعرفون ذلك ولا يؤمنون بالعملية التعليمية ودورها فى صناعة الأجيال ومستقبل مصر، فالذى يلعب فيها يلعب فى الأمن القومى المصرى بلا جدال ويكفى أن المدارس الدولية لم تلتزم بهذا النظام العشوائى والدراسة بها مستمرة الآن لأن كل يوم وكل ساعة محسوبة فى مناهجهم وفى تربية الأولاد ولا يمكن لأحد أن يستطيع التلاعب فى مستقبل الأولاد لديهم وكان يمكن لأباء هؤلاء التلاميذ أن يعطوهم دروسا خصوصية، فهم من أغنى طبقات المجتمع ولكن هذه المدارس لا تسمح بمثل هذا العبث الذى تعيش فيه.
وقال إن المسئولين عندما قالوا إن الدراسة لن تتأثر فى أى شيء يدل اما على جهل أو عشوائية أو عدم تحمل لمسئولية تربية أبناء المستقبل الذين لابد أنهم سيتأثرون بقرارات عشوائية فى حياتهم ومسئولياتهم مستقبلا. كما أن الوقت الطويل فى الانفصال عن العملية التعليمية مع مناهج مترابطة يحدث خللا كبيرا فإذا كان فى النية اطالة العام الدراسى فى التيرم الثانى فهذه مشكلة أيضا لأن ذلك سيربك المدارس والامتحانات لأن كل مرحلة لها مواعيد فى الامتحانات لا تؤثر على بعضها حتى الثانوية العامة المحدد لها 7 يونيو المقبل والنتيجة أن الوزارة ستلزم المدرسين بوضع امتحانات فى مستوى المعلومات العامة ليحصل الطالب المتوسط ودون المتوسط على أعلى الدرجات وينافس المتفوق وتضيع المستويات ليصطدم الجميع فى السنين التالية.