آثار الكارثة فى الذكرى الثالثة«تسونامى» اليابان لم يهدأ بعد
تحيى اليابان اليوم الذكرى الثالثة لـ«تسونامى 2011» الذى ضرب سواحل جنوب شرق اليابان، مخلفا دماراً هائلاً حصد آلاف الأرواح، فيما تسعى الحكومة لإعادة فتح المفاعلات النووية المغلقة منذ انفجار مفاعل «فوكوشيما»، وهو الأمر الذى يعارضه كثيرون.
ورغم بشاعة الكارثة التى خلفت مئات المناطق المنكوبة وآلاف النازحين، فإن كثيرا من اليابانيين استطاعوا، خلال الثلاث سنوات الماضية، استعادة حياتهم، حيث تقودهم رغبة وإرادة قوية فى نسيان الماضى الأليم والنظر إلى مستقبل أفضل. ورصدت «المصرى اليوم»، خلال زيارتها بعض المناطق التى تضررت من «تسونامى 2011» فى مدينتى «ايواكي» و«فوكوشيما» معاناة ممزوجة بالأمل بدت فى أحاديث سكان هذه المناطق، الذين رغم شعورهم بالألم واستيائهم من تراخى الحكومة فى توفير أماكن إقامة دائمة لهم، يتطلعون إلى تنمية مجتمعاتهم الجديدة والتكاتف معا لاستكمال رحلة إعادة الإعمار.
إنجازات جهود إعادة الإعمار لا تكفى المتضررين
بعد مرور 3 سنوات على أقوى زلزال ضرب اليابان بقوة 9 ريختر، ما تسبب فى تسونامى هائل مع أمواج ضربت السواحل الشمالية الشرقية للبلاد، وصل ارتفاعها 10 أمتار وجرفت منازل وسفناً وسببت دماراً هائلاً، كما أسفر عن كارثة نووية أخرى بعد حدوث 3 انفجارات فى محطة فوكوشيما (شمال شرق طوكيو)، تحاول اليابان طىّ هذه الصفحة الأليمة التى تشكل أكبر أزمة تتعرض لها البلاد منذ عقود، وذلك من خلال إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال الذى يعد الخامس من حيث القوة فى العالم منذ عام 1900، والسابع فى التاريخ، وموجات «تسونامى» التى خلفت أكثر من 20 ألف قتيل ومفقود وآلاف المشردين، فضلاً عن اتخاذ تدابير السلامة فى أعقاب الانفجار الذى أعاد إلى الأذهان مأساة «تشرنوبيل» فى أوكرانيا فى ثمانينيات القرن الماضى.
هذه الجهود بدت مرضية للبعض ممن عادوا إلى حياتهم الطبيعية مرة أخرى، منتظرين العودة إلى منازلهم أو المنازل البديلة التى أقامتها لهم الحكومة اليابانية، وبدت هذه الجهود محبطة للبعض الآخر ممن يعتقدون أن الحكومة باتت منشغلة بتنظيم أوليمبياد 2020، وإعادة فتح المفاعلات النووية، على حساب المتضررين، حتى رفع هؤلاء شعار «الحكومة نسيت ضحايا فوكوشيما».
ومع حلول الذكرى الثالثة يبدى اليابانيون إرادة فريدة فى محاولة نسيان الأحداث المروعة التى مرت بهم، وذلك رغم الآثار النفسية التى خلفتها الأزمة، خاصة بين الأطفال، حيث أكدت دراسة لوزارة الصحة اليابانية أن واحداً من بين 4 أطفال بحاجة إلى علاج نفسى. وأجبر تسومانى نحو 200 ألف شخص على النزوح من منازلهم، ومازال حوالى 136 ألف نازح من محافظة فوكوشيما غير قادرين على العودة إلى منازلهم.
ويحصل المتضررون الذين أجبرتهم الحكومة على ترك مساكنهم الواقعة ضمن مساحة 20 كيلومتراً من مفاعل «فوكوشيما» بعد التسرب الإشعاعى- على إعانات شهرية تقدر بنحو ألف دولار لكل فرد، فيما يحصل كل من ترك وظيفته أو تضررت أعماله بسبب الزلزل وتسونامى 2011 على 3 آلاف دولار شهرياً، وهى مبالغ متواضعة مقارنة بمستوى المعيشة فى اليابان.
ورغم أن موجات «تسونامى» غيرت معالم مناطق كثيرة، حيث اقتلعت منازل ومبانى من مكانها، أعادت الحكومة رصف الشوارع، ورفعت الأنقاض، وجهزت مصدات تثبت فى أعماق البحر لتعيق حركة الأمواج العالية، وأقامت جداراً خراسانياً بطول البحر لتفادى وصول الأمواج إلى المدينة فى حال حدوث «تسونامى» مستقبلى، وهى خطوة رحب بها البعض، بينما اعتبرها آخرون خطوة ستجعل من اليابان «سجناً كبيراً».
أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار للمبانى المهدمة فلا يوجد تغير لافت بالمقارنة بما كان عليه الوضع منذ 3 سنوات، حتى إن بعض التقارير أرجعت ذلك لمخاوف حكومية من تسونامى جديد بعد إعادة إعمار المناطق المنكوبة.
من جانبه، أكد وزير إعادة الإعمار، تاكومى نيموتو، أن الدمار الذى خلفه الزلزال وتسونامى وانفجار المفاعل لا يزال شديداً بعد 3 سنوات، مشيراً إلى أن التعافى من كارثة بهذا الحجم يستغرق وقتاً طويلاً، إلا أن إعادة الإعمار فى تسارع مستمر. وأشار نيموتو إلى أن الانتهاء من رفع الأنقاض سينتهى بنهاية الشهر الحالى، مؤكداً أنهم أوشكوا على الانتهاء من 80٪ من الطرق التالفة، وإصلاح 90٪ من السكك الحديدية التالفة. وحول إعادة الإعمار أكد الوزير اليابانى أن البناء بدأ فى 90٪ من المناطق المتضررة، وسيتم بناء منازل جديدة على أراض مرتفعة لتجنب موجات المد فى المستقبل. ووعد نيموتو بتوفير نحو 10 آلاف وحدة سكنية بنهاية مارس الحالى، مشيراً إلى أن أولوية الحكومة هى إعادة بناء المساكن على أراضٍ مرتفعة.
بطل السومو المصرى شعلان لليابانيين: ألهمتم العالم كله
«ما حدث من إنجاز خلال 3 سنوات من وقوع كارثة تسونامى فى اليابان أقرب إلى الخيال العلمى».. بهذه الكلمات عبَّر مصارع السومو المصرى عبدالرحمن أحمد شعلان أو «أووسونا أراشى»، كما يطلق عليه فى اليابان، عن إعجابه بتجاوز اليابانيين الأزمة ومحو آثار الدمار الذى خلفه الزلزال وتسونامى، وإرادة الشعب اليابانى فى تخطى الأيام الصعبة التى مر بها، مشيراً إلى أن سكان إيواكى عادوا لحياتهم الطبيعية.
ودعا شعلان، خلال حواره مع «المصرى اليوم»، اليابانيين إلى مواصلة عملهم الذى تعلم منه الكثير، خاصة خلال زيارته لمدينة إيواكى فى فبراير الماضى، حيث زار المناطق المتضررة من «تسونامى»، حاملاً معه رسالة تضامن وحب من الشعب المصرى فى صورة لافتة كبيرة مكتوب عليها «اليابان ومصر.. اتحاد فى الروح والقلب»، موقَّعة من مئات المصريين، ووضعت فى مدخل مبنى المدينة التى عبر عمدتها عن إعجابه بها.
وتحدث شعلان عن أحد الأطفال الذى قابله خلال زيارته مدرسة فى إيواكى، وقد شاهد أخويه ووالدته وهم يغرقون أمامه، وأعرب عن إعجابه بتجاوز الطفل الأزمة، ورغبته فى أن يصبح طبيباً حينما يكبر حتى يستطيع أن يعالج من ينجو من أى كوارث مستقبلية. وبحسب ما ذكره شعلان لم يكن هذا الطفل الوحيد الذى فكر بأن يربط مستقبله بإنقاذ غيره، وإنما أعرب آخرون عن أملهم فى أن يصبحوا متخصصين فى علم الجيولوجيا، حتى يتمكنوا من التنبؤ بالكوارث، وهو ما اعتبره شعلان أمراً ملهماً ومشرفاً، أن يرى أطفالاً فى هذا العمر يفكرون فى غيرهم بهذه الطريقة.
وقال شعلان: «لقد ضرب تسونامى منطقة كاملة، ولم يتبق منها سوى معبد، وحينما سألت الأطفال لماذا لم يتأثر المعبد، أجاب أحدهم بأنه أحد بيوت الله، وأنه تركه حتى نعرف أنه موجود، وأنه سيمنحنا الرحمة بعد ذلك». وأضاف شعلان أن سبب تقدم اليابان هو قدرتهم على تجاوز إحساسهم بأنهم كانوا أقرب إلى الموت، حتى وصلوا لمرحلة الاجتهاد والعمل لتخطى الأزمة.
ووجه شعلان رسالة للشعب اليابانى، قائلاً: «ألهمتم العالم كله، وألهمتمونى شخصياً، وما حدث من إنجاز بعد كارثة تسونامى فى اليابان فى 3 سنوات يحتاج إلى عقد من الزمان فى أى دولة أخرى».
«إيواكى».. الكارثة تحيا فى ذاكرة.. وواقع المدينة
على بعد 50 كيلومترا من مفاعل «فوكوشيما دايتشي»، تقع مدينة «إيواكي» التى لم تعرف كوارث طبيعة قبل 2011، حيث كانت آخر حادثة بهذه القوة منذ ألف عام تقريباً، ليأتى تسونامى 2011 مفاجئا لسكانها، ويبتلع منازلها وتحمل تيارات المياه سيارات وأعمدة وتطيح الأمواج العاتية بسفن إلى رصيف الميناء، وراح ضحيتها نحو 440 شخصا من أصل 1600 شخص لقوا مصرعهم فى محافظة فوكوشيما. يقول أحد سكان المدينة إن الأغلبية بدأت تهدأ، وأصبح لديهم رغبة فى نقل الخبرات التى مروا بها والأيام الصعبة التى تجاوزوها، مشيراً إلى أن الاختلاف بين من توفوا فى محافظة مياجى ومدينة إيواكى أن مياجى اعتادت على الكوارث ومستعدة نفسياً بخلاف إيواكى. فيما أكد ممثل ضحايا «تسونامى» فى إيواكى، نيى تسوما يوشويا، أن المدينة منحت 3500 منزل مؤقت للأسر المتضررة، مشيراً إلى أنه تم نقل المتضررين إلى مساكن الإيواء فى أكتوبر 2011، وسيتم نقل حوالى 1500 شخص إلى منازل دائمة خلال العام الحالى. وروى يوشويا تجربته قائلاً: «حدث الزلزال فجأة أثناء العمل كانت الساعة 3 ظهراً، وكان قويا جداً لدرجة أننى سقطت من على الكرسى، واستمر الزلزال فترة طويلة، وخطر فى بالى أن تصاحب الزلزال أمواج عاتية (تسونامي)، فذهبت إلى الملاجئ الخاصة بمنطقتى فى مدرسة إعدادية، وحينما حل الليل، حاولت البحث عن عائلتى خاصة فى ظل توقف المواصلات والاتصالات. وانتقدت متضررة أخرى زيادة الضرائب عليهم، دون الاهتمام بأوضاع المتضررين، مشيرة إلى أن الحكومة لم يصل إليها شعور المواطنين. وأشارت إلى أن الحكومة تصرف مساعدات فقط لمن كانوا على بعد 30 كيلومترا من المفاعل النووى. من جانبه، قال مدير العلاقات العامة بمحافظة إيواكى، شيزوتو سوزوكى، عن حالة الإحباط المصاب بها بعض السكان، إنها المرة الأولى التى نمر بها بمشكلة بهذا الحجم، والروتين الحكومى واتخاذ الإجراءات يستغرق وقتا، وهذه الأمور لا تظهر للناس لأنهم يرغبون فقط فى العودة إلى منازلهم، لكننا نقوم بما نقدر عليه، ونقدر مشاعرهم.
المفاعلات النووية..صداع فى رأس الحكومة
تُعد مسألة إعادة فتح وتشغيل المفاعلات النووية من أهم الأزمات الشائكة التى لا تزال تواجه الحكومة اليابانية على الرغم من مرور عامين على قرار وقف العمل بجميع المفاعلات النووية فى البلاد، التى تزيد عن 50 مفاعلاً، بعد انفجار مفاعل «فوكوشيما دايتشى» النووى جراء زلزال وتسونامى عام 2011.
ورغم الاحتجاجات الشعبية التى تطالب بوقف الاعتماد على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وإيجاد طرق بديلة، فإن حكومة رئيس الوزراء شينزو آبى، تسعى لإعادة تشغيل جميع المفاعلات النووية، بإصدارها وثيقة «سياسة الطاقة»، فى نهاية فبراير الماضى، أكدت خلالها أن الطاقة النووية من المصادر المهمة لتوليد الكهرباء فى اليابان، وإحدى ركائز استقرار أمن الطاقة فى البلاد.
وتعتبر الوثيقة الجديدة أول وثيقة تُصدر منذ 2010، حينما أقرت حكومة «ناوتو كان»، زيادة اعتماد البلاد على الطاقة النووية لتُشكل 50% من إجمالى الكهرباء المُولدة فى اليابان بحلول 2030، إلا أنه تم وقف تنفيذ القرار بعد كارثة «فوكوشيما»، واضطر «كان» إلى الإقرار بالتزام الحكومة بوضع حد لاستخدام الطاقة النووية بحلول 2040.
وتُراجع الحكومة اليابانية سياسات الطاقة كل 3 أعوام لوضع خطط رسمية ترسم مستقبل أمن الطاقة، ومن المتوقع موافقتها على وثيقة «سياسة الطاقة» لعام 2014، بشكل نهائى خلال أيام، بما يعنى إعادة فتح المفاعلات المتوقفة وإقرار الحكومة لخطط جديدة تزيد من اعتماد البلاد على الطاقة النووية. وكانت اليابان، قبل كارثة «فوكوشيما» 2011، تعتمد على المفاعلات النووية لتوليد نحو 30% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية، وتسعى لزيادتها إلى 40% بحلول 2017. وتسبب لجوء طوكيو إلى استيراد الطاقة من الخارج، بعد وقف المفاعلات، فى ارتفاع عجز الميزان التجارى إلى 11،47 تريليون ين (112 مليار دولار) بزيادة 6 تريليون و941 بليون ين، وفقا لإحصائيات التجارة الذى أعلنتها وزارة المالية بنهاية يناير 2013.
ويعد هذا العجز الأكبر فى تاريخ اليابان، منذ أن بدأت إعداد هذه الإحصائيات التجارية عام 1979، إذ ارتفعت نسبة ورادات الطاقة إلى أكثر من 16،3%، علماً بأن اليابان تعتمد على الشرق الأوسط فى استيراد حوالى 80٪ من احتياجاتها من النفط الخام.
وعلى الرغم من دعم كثير من السياسيين والاقتصاديين لضرورة إعادة عمل المفاعلات النووية بأقصى سرعة لوقف هذا النزيف الاقتصادى وتقليل العجز التجارى، فإن كثيرا من النشطاء يعارضون استخدام الطاقة النووية، وهو ما بدا جليا فى تظاهر نحو 30 ألفا أمام البرلمان اليابانى قبيل حلول الذكرى الثالثة لتسونامى لرفض اقتراحات العودة للطاقة النووية. ففى أحد الاعتصامات القريبة من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، رفع المشاركون لافتات تندد بسعى حكومة «آبي» لإعادة فتح المفاعلات النووية. وقال أحد المعتصمين إن المعارضين لاستخدام الطاقة النووية «شعروا بالضياع بعد فوز وزير الصحة السابق ماسوزوئيه يونيتشى، المؤيد لإعادة فتح المفاعلات، بمنصب محافظ فى طوكيو، فى الانتخابات الأخيرة التى شهدتها المحافظة».
كما عرضت دور العرض اليابانية مؤخراً فيلم «leji»، وهو الأول من نوعه يتناول كارثة محطة «فوكوشيما»، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام محلية عملاً مناهضا للطاقة النووية بسبب الرسالة التى ينقلها بشأن مخاطر الحادث.
ويحاول مئات الفنيين والمهندسين اليابانيين إعادة تشغيل المفاعلات التى توقفت فى أعقاب كارثة «فوكوشيما»، لكن الأمر يبدو صعباً، فى ظل تشديد شروط السلامة التى وضعتها هيئة الرقابة النووية التى تأسست عام 2012.
يابانيون يحتجون على اقتراح إعادة تشغيل المفاعلات النووية.
شعلان مع مسؤول من إيواكى
وعلى الرغم من تأكيد العديد من المسؤولين صعوبة إيجاد بديل لاعتماد اليابان على الطاقة النووية، فإن بدء تطبيق تكنولوجيا توليد الطاقة الكهربائية من الرياح البحرية يفتح المجال أمام إمكانية اعتبارها بديلا آمنا للمفاعلات النووية فى المستقبل.