الأورام.. فيروس سى.. الفشل الكلوى ثلاثية الموت وخراب البيوت
20ألف حالة سرطان فى سوهاج..و 60٪ من الإصابات بسبب تلوث المياه
لا تستطيع أن تعرف سببا واضحا لهذا الإهمال، وحالة الاسترخاء التى عليها الحكومة الحالية، والحكومات المتعاقبة، من ثلاثية أمراض الموت، وخراب البيوت «الأورام ـ الكبد ـ الفشل الكلوي»، رغم أن كل شواهد العيان تؤكد خطورة الأمر وانتشاره.
ولا تستطيع أن تعرف أيضا لماذا تتستر وزارة الصحة أو السادة المسئولين على رصد وتسجيل إحصائيات دقيقة يمكن أن تساعد فى مواجهة هذه الأمراض، وكذلك لا تفهم لماذا تبقى الغالبية من محافظات مصر دون مستشفيات مؤهلة وكاملة الاستعدادات والتجهيزات لعلاج المعتلين بهذه الأمراض.
لقد حاولنا، ومن خلال هذا الاستقصاء الإحصائي، وفى حدود ما توصلنا إليه من أرقام، أن نرصد خطورة الحالة الطارئة، بمعنى آخر أن ندق جرس إنذار بالأرقام والوقائع الأقرب إلى الدقة، جرس إنذار يقول: انقذوا فقراء مصر ومهمشيها من وحشية هذه الأمراض.. اجعلوهم جملة مفيدة ودالة فى البرامج السياسية والاقتصادية، ففى القليوبية تتزايد حالات الإصابة بمرض «فيروس سي» حتى وصلت إلى أكثر من 500 حالة، ومعها تتزايد أيضا حالات الفشل الكلوى التى بلغت أكثر من 700 حالة، لدرجة بلغت نسبة 5% على مستوى مصر، ورغم ذلك فمستشفياتها معطلة.
أما سوهاج فالأورام السرطانية تتزايد بها، ومديرية الصحة لم تكلف خاطرها حصر هذه الأعداد، مما يؤكد أنها لا تفكر فى خطة للعلاج، كذلك أطفال أسيوط الذين يصرخون يوميا من زحف الفشل الكلوى إليهم بسبب المياه الملوثة، وهناك دمياط الغارقة فى التلوث والربو الذى يفتح الطريق حتما أمام الأورام وشهيتها فى افتراس المزيد، وبالقطع لا يمكن أن تفعل معاناة أهالى الوادى الجديد والأقصر والبحيرة وهم يبحثون عن مستشفيات تأويهم للهروب من هذا الخطر.
التفاصيل الكارثية والمؤشرات جديرة فعلا بالانتباه.
فى بنها، على الرغم من إنفاق الدولة ملايين الجنيهات على أمراض الكبد والفشل الكلوى والسرطان المنتشرة بين أبناء المحافظات، خاصة القليوبية، فإن الحقيقة تكشف مدى تفشى هذه الأمراض.
وتؤكد الإحصائيات إصابة 450 حالة سنوية مصابة بفيروس سى بمستشفيات القليوبية، وليس له مصل واق وإنما يحتاج إلى تثقيف صحى وينتقل عن طريق الدم وسوائل الجسم «الرضاعة» والسائل المنوى بعكس فيروس بى فله طعم، أما A فينقل عن طريق تلوث المياه والخضراوات والوقاية منه بالنظافة الشخصية.
أما بخصوص مرض الكلى فهناك 700 حالة مصابة بالفشل الكلوى سنويا وهو رقم تراكمى ويحتاج إلى 200 ماكينة غسل والمتوافر لدينا يفوق هذا العدد، وهو 300 ماكينة بما يكفى احتياجات المرضى بالمستشفيات وزيادة.
وكشفت الإحصاءات عن أنه بعد 10 سنوات تقريبا سوف يصل إلى المعدلات العالمية، بحيث لا تزيد نسبة الإصابة بالفشل الكلوى على 5% فى مصر وذلك بفضل التطعيمات وارتفاع مستوى التعليم وثقافة التوعية الصحية.
كما كشف الإحصاء عن أن مستشفى بنها التعليمى به أكبر وحدة غسل للكلى على مستوى المحافظة، فهى تضم 65 ماكينة تجرى 3 آلاف جلسة غسل شهريا لعدد 270 مريضا بالفشل الكلوي، وأنه الوحيد الذى به خدمة طواريء غسل كلى 24 ساعة بما فيها الجمعة، وذلك لخدمة الفقراء ومحدودى الدخل من المرضى بالإضافة إلى وحدة لجراحة الكبد والمناظير التى تقدم الخدمة العلاجية لـ 74 حالة شهريا.
وأرجع الأطباء انتشار مرض الكبد والكلى فى وجه بحرى خاصة القليوبية إلى تقاعس حكومات النظام السابق بعدم الاهتمام بالمرضى نتيجة إصابتهم بالبلهارسيا والإصابة بفيروس سى عن طريق نقل الدم وعدم الاهتمام بالتعامل الآمن مع النفايات الخطيرة بالمستشفيات ومخلفات الدم، أما مرض الكلى فينتشر بالقليوبية بسبب تلوث مياه الشرب واختلاطها بالمجارى وارتفاع نسبة المعادن، بالإضافة إلى تلوث الأغذية ورى الزراعات بمياه الصرف واستعمال المبيدات المسرطنة، وأشار أهالى القليوبية إلى أنهم يعالجون منذ عام من الفشل الكلوى داخل مستشفى بنها التعليمى وأكثر ما يواجهنا دائما هو تعطيل الماكينات فى أثناء الغسل وعدم صيانتها مما يضطرنا إلى التأخير بالمستشفى حتى الساعات الأولى من الليل وكذلك تعطيل الأسانسير وحمل المرضى على الكراسى المتحركة.
بينما أكد الدكتور عبدالقادر فراج مدير حميات مستشفى القليوبية أن هناك نوعين من المرض: الأول فيروس سى مزمن والثانى الالتهاب الكبدى الوبائى وهو فيروس معد بسيط ويتم التعافى منه تلقائيا مثل فيروس الإنفلونزا ويسببه فيروس A وعادة ما يصيب الأطفال عن طريق التلوث الغذائى والمياه الملوثة وليس له علاج سوى أخذ منشطات الكبد وعادة ما يشفى تلقائيا.
أما النوع الأول الفيروسى المزمن فيعالج فى مراكز الكبد وأقسام الجهاز الهضمى والكبد بالمستشفيات الجامعية ومعاهد الكبد ويأخذ المريض أدوية الانترفيرون وهى متوافرة على حساب الدولة للمرضي، وهو علاج مكلف للدولة، حيث يتراوح ثمنه من 30 إلى 40 ألف جنيه للمريض الواحد لمدة عام.
وأضاف أن مستشفى حميات طوخ وحده يستقبل 130 حالة لمرضى الكبد الوبائى خلال العام الماضى ومن المنتظر مضاعفته خلال هذا العام خاصة أنه ينشط فى فصل الصيف.
جهاز «معجل خطى» واحد يخدم 22 ألف مريض
وفى سوهاج، وفى الوقت الذى تتناقص فيه أعداد مرضى الالتهاب الكبدى الوبائى نجد أن أعداد مرضى الأورام فى تزايد مستمر، بينما لا يوجد بمديرية الصحة بيان حقيقى بأعداد مرضى الفشل الكلوى الذين يتزايدون من وقت لآخر ولا الأمراض الأخري.
قال الدكتور حسنى الدسوقى مدير المركز التخصصى للقلب والجهاز الهضمى إن عدد الحالات فى وحدة العلاج بالانترفيرون عند افتتاح المركز عام 2008 كانت 11 ألفا و331 حالة تراجعت عام 2013 إلى 7083 حالة وانخفض عدد الحقن بالإنترفيرون من 44 ألفا و744 إلى 27 ألفا و265 حقنة، وذلك لارتفاع الوعى لدى المواطنين، مشيرا إلى أنه لا توجد قوائم انتظار ولا توجد مشكلة فى العلاج الذى يتم توفيره للمرضى على حساب التأمين الصحى أو نفقة الدولة.
أما الدكتور خالد رشاد مدير مركز علاج الأورام فقال إن أعداد المرضى فى تزايد، حيث كان المترددون على العيادات الخارجية خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر عام 2012 نحو 20 ألفا و26 حالة ووصل عددهم بالأشهر نفسها عام 2013 إلى 21 ألفا و960 حالة، مشيرا إلى أنه لا توجد قوائم انتظار فى العلاج الكيماوى أو جراحات الأورام إلا أنه توجد قوائم انتظار فى العلاج الإشعاعى نظرا لوجود جهاز معجل خطى واحد فقط يعمل منذ افتتاح المركز عام 1999وأصبح متهالكا بعد تعطل جهاز آخر تم الحصول عليه عام 2010 بعد 4 أشهر ومازال تحت الإصلاح ونحن فى حاجة إلى معجل خطى جديد تصل قيمته إلى نحو 10 ملايين جنيه والمكان الخاص به جاهز، كما اننا فى حاجة لزيادة ميزانية الأدوية المخصصة لأكثر من 4 ملايين و500 ألف جنيه إلى 10 ـ 12 مليون جنيه فى العام.
من جانبه قال الدكتور محمد عبدالعال وكيل وزارة الصحة بسوهاج إنه لا توجد أرقام حقيقية بأعداد مرضى الأورام والالتهاب الكبدى والفشل الكلوى بالمحافظة لوجود أماكن متعددة للعلاج منها المستشفيات والعيادات الخاصة أو العلاج خارج سوهاج، مشيرا إلى قيام أحد المتبرعين بتوفير 10 أجهزة غسل كلوى بمشتملاتها لمستشفى طما المركزى وتبرع مؤسسة محمد فريد خميس بعدد 10 أجهزة غسل أخري، بالإضافة إلى قيام الوزارة بتوفير 12 جهاز غسل من إجمالى 20 جهازا طالبنا بتوفيرها لعدم كفاية الأجهزة ووجود قوائم انتظار لمرضى الغسل الكلوى خاصة فى المراكز الجنوبية.
ويبقى أن نقول إنه لا يوجد بالمستشفيات العامة والمركزية وعددها 12 مستشفى أى حضانة للأطفال المبتسرين بجهاز تنفس صناعى وتحتاج المحافظة الى 10 حضانات بأجهزة تنفس صناعي.. ولا تعليق.
80 ٪ من الإصابات بسبب صناعات الأثاث
وفى دمياط، التى تعد عبارة عن مصنع كبير تنبعث منه الغازات والملوثات فى كل الأرجاء ، ويدفع أبناء المحافظة التى امتهنت منذ قديم الزمن تصنيع الأثاث والموبيليا ثمنا كبيرا لحرفتهم المتميزة يتمثل فى انتشار أمراض الربو والسدة الرؤية المزمنة والسرطانات بسبب إنتشار الغازات والسوائل المنبعثة من ورش صناعة الأثاث التى يزيد عددها على 50 ألف ورشة كبيرة ومتوسطة وصغيرة .
يؤكد الدكتور حمدى حواس وكيل وزارة الصحة بدمياط أن الأمراض الصدرية منتشرة فى مناطق الورش فى الشعراء بالذات دون إيراد إحصائيات معينة ، مشيرا إلى أنها مسئولية الأمن الصناعى . لكنه يوضح أن دمياط بها 137 مركزا للغسل الكلوى حيث تقوم بعلاج نحو 501 مريض يعانون الفشل الكلوى ضمن 9 مراكز عامة على مستوى المحافظة
ووفقا لتقارير وزارة البيئة، تحتل دمياط المركز الأول فى الصناعات الملوثة للبيئة حيث تُستخدم بها مادتا «البولى يورثان» و«البولى إستر»
وتعتمد المادتان على مذيبات عضوية متطايرة تصدر انبعاثات خطيرة على الجهاز العصبى للإنسان، تؤدى لإصابته بالصداع، وأمراض القصبة الهوائية، وتؤثر على العين والسمع وسلامة النطق، وآلام الصدر.
وبحسب إحصائية صادرة عن مستشفى الصدر بدمياط فإن إجمالى عدد مرتادى العيادات الخارجية سنويا وصل إلى 128 ألفا و409 مرضى بأمراض الصدر، منهم 102 ألف و726 مريضا بسبب الدهانات الخطرة ، منهم 15% مصابون بالربو الشعبي، أى 19 ألفا و261 نسمة، و6420 مريضا بالسدة الرئوية و77045 ألف مريض بالنزلات الشعبية، أى بنسبة 60% .
كما ينتشر مرض سرطان الأطفال ، حيث أشارت إحصائيات سابقة لمعهد الأورام بدمياط إلى أن نسبة هذه الحالات تصل الى 10%، ومعظم الحالات يتم علاجها فيه ،كما ان هناك حالات تحتاج إلى تحويلها لمعهد الاورام بالقاهرة .
كما أن انتشار سرطان الثدى لدى النساء فى دمياط تتراوح نسبته ما بين «23% و 30%» وتم تنفيذ حملة توعية للسيدات بضرورة الكشف المبكر على الثدي، لتفادى المرض او علاجه بشكل مبكر.
المستشفيات كامل العدد
وفى أسيوط، ولو انتقلنا لامراض الكبد والفشل الكلوى فى أسيوط فحدث ولا حرج فجميع مستشفيات الصحة كاملة العدد وتعمل عدة فترات فى اليوم لتغطية الزيادة المضطردة فى معدلات الاصابة فبحسب تصريح الدكتور أحمد عبد الحميد وكيل وزارة الصحة بأسيوط كان عدد المرضى فى مستشفيات وزارة الصحة بأسيوط ـ التى تضم 12 مركزا للغسيل الكلوى على مستوى المحافظة ـ فى عام 2011 نحو 782على 167ماكينة غسيل ارتفع فى عام 2013 لنحو 949 مريضا على 198 ماكينة بنسبة زيادة 16.7 % فى عامين فى معدلات الإصابة وزيادة عدد ماكينات الغسيل بنسبة 21% وهى نسبة تتناسب مع زيادة معدلات السكان.
وفى جامعة أسيوط ومستشفياتها نجد هناك طوابير انتظار بعد زيادة معدل الاصابة فى صفوف الأطفال مما حدا بالجامعة لانشاء وحدة للغسيل الكلوى بمستشفى الاطفال الجامعى تحتوى على 25 وحدة غسيل كلوى تعمل على مدى الساعة وبها نحو 40 طفلا مصابا بفشل كلوى مزمن كما أن العيادات الخارجية تستقبل نحو 2000 حالة سنويا ،هذا ناهيك عن وحدة الغسيل الكلوى الموجودة بالتأمين الصحى بأسيوط.
وقد صدرت دراستان أخيرا بجامعة أسيوط الاولى أشارت إلي أن حوالى 60 % من أمراض الكلى وعلى رأسها الفشل الكلوى وأمراض الكبد تنتج عن استعمال المياه الملوثة والجوفية والتى دمرتها القيسونات فى أسيوط.
وأشارت الدراسة الثانية الى أن الأشخاص ذوى الأعمار السنية، ما بين 50و41 سنة، هم الفئة العمرية الأكثر عرضة للفشل الكلوي.
الأهالى يفرون للقاهرة وأسيوط للعلاج
وفى الوادى الجديد، أكد الدكتور محمد بخارى مدير عام الشئون الصحية بالمحافظة أن وحدة الأورام بمستشفى الخارجة العام تستقبل لإجراء جراحات وعلاج كيماوى أكثر من 100 حالة ويتم العلاج من خلال أطباء تم التعاقد معهم من جامعة أسيوط.
وعن أمراض الفشل الكلوى فالخارجة بها 35 حالة و20 حالة بالداخلة و10 بالفرافرة و4 بباريس ويتم علاجهم من خلال المستشفيات التابعة للمدن.
أما الالتهاب الكبدى فالحالات الموجودة قليلة، بينما أكد أهالى الوادى أن الحالات أكثر من ذلك بكثير لتوجه المرضى لتلقى العلاج فى محافظتى القاهرة وأسيوط.
وفى الأقصر كشفت نتائج الحملة التى قامت بها حملة «معا ضد فيروس سي» بمدن وقرى الأقصر عن أن نسبة الإصابة ممن شملتهم التحاليل والفحوص بلغت 8% وأن الإصابة فى القرى أكثر من المدن.
وفى البحيرة، أكد الدكتور محمد متسى وكيل وزارة الصحة بالبحيرة وجود لجنة عليا برئاسة محافظ البحيرة تجمع بين القيادات التنفيذية والنقابات والجمعيات الأهلية لوقف خطر فيروس سى من خلال ندوات التوعية ودعم مراكز أبحاث الكبد المزمع إنشاؤه بمستشفى التكامل الصحى برتسال وتطوير المستشفى التخصصى بالمعهد الطبى القومى بدمنهور لتحويله إلى مستشفى لزراعة الكبد والكلي.
ويقول الدكتور طارق حسنين رئيس قسم الكبد بجامعة سان دياجو بكاليفورنيا إن أمريكا تتبع طرقا حديثة لمكافحة المرض ولديها الجديد فى عمليات تشخيص المرض وأساليب الوقاية، مشيرا إلى أنه يوجد بمصر من 8 إلى 15 مليون مريض بفيروس سى يمثلون 12% من عدد السكان كما يصاب سنويا أكثر من 165 ألف مريض بالفيروس نتيجة العدوى عن طريق السلوكيات الطبية والحياتية وعدم الاكتشاف المبكر للمرض الذى تم التعرف عليه منذ عام 1990 وتتراوح نسبة الشفاء منه عن طريق العلاجات الحديثة بالتاميفلو بين 95% و100% التى أثبتت فاعليتها وقدرتها على القضاء نهائيا على المرض وفى فترات زمنية قليلة.