التصويت المگثف يصحح صورة مصر أمام المنظمات الدولية
حان الوقت ليسترد الشعب ما ضاع منه في المراحل الانتقالية
خرج الشعب المصري يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين خروجا عظيما يليق بالفعل بشعب عظيم وأدلت الغالبية بنعم علي تعديلات الدستور الصادر في ديسمبر 2012 وكان خروجهم مذهلا للعالم الذي صدق الدعايات المغرضة حول عدم قبول هذا الشعب لمواده المفروضة عليهم، فإذا بالملايين تزحف إلي الصناديق في حشد جماهيري غير مسبوق ليقولوا كلمتهم ويكشفوا عن معان كثيرة - وكبيرة أيضا - وراء هذا الخروج التاريخي.
»أخبار اليوم« تقدم هذه المعاني الدستورية والسياسية والقانونية علي لسان خبراء شرحوا هذه المعاني.
يؤكد د. نبيل أحمد حلمي أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق الاسبق أن خروج الشعب المصري المكثف للاستفتاء علي الدستور الجديد - كما شاهده العالم - أعطي أكثر من معني ، الأول أن مصر قالت كلمتها في مواجهة كل تضليل مارسته القوي المعارضة لاستقرارها وتقدمها ووقوفها ضد كل مؤامرات إنهاكها وتقسيمها وإثارة الخلافات الشديدة والعنيفة بين أفراد المجتمع.
تصحيح صورة مصر
وهذا الخروج غير المسبوق يمتد أثره إلي المنظمات الدولية التي كانت تراقب تصويت الجماهير المصرية علي دستور بلادها الجديد وتنتظر نتيجته التي أثبتت أن مصر تمضي علي الطريق الصحيح وهو ماسوف يدعم تصويب جميع الصور الخاطئة عن مصرالتي رسمتها عدة منظمات دولية سواء كانت عامة كالأمم المتحدة ووكالاتها أو منظمات متخصصة كمنظمات حقوق الإنسان والبنك والصندوق الدوليين أومنظمات إقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وجميعها كانت تري وقف أنشطتها في مصر وعدم التعاون مع حكومتها إلا بوجود دستور أقره الشعب وهو ماتم وستعدل جميع هذه المنظمات مواقفها من مصر بناء علي ذلك . وكذلك يمتد أثر التصويت المكثف علي الدستور إلي المستثمرين الدوليين وإلي التجمعات التجارية الإقليمية والدولية والمنظمات الأهلية غير الحكومية المحلية والأجنبية ولذلك فسيطمئن كل هؤلاء علي رءوس أموالهم وحرية أنشطتهم بناء علي الضمانات التي نص عليها الدستور.
ولابد أن ننظرإلي هذا الحشد الجماهيري من زاوية أخري وهي الواجبات التي ألقاها هذا الحشد علي عاتق أصحابه ليبدأوا بناء مصر الحديثة علي نفس الطريق الذي أدهشوا به شعوب العالم طريق الجهد والعمل الجاد للوصول إلي مزيد من الثقة الدولية التي تدفع المنظمات الدولية بجميع أنواعها للتعاون المثمر مع مصر لاستعادة مركزها اللائق بها والذي تستحقه إقليميا ودوليا كدولة رائدة ومحورية في المنطقة.
خطوة أولي للنهوض
ويقول المستشار مجدي شرف المحامي بالنقض والدستورية العليا ان دستور 2014 أقر لأول مرة حقوقا جديدة لفئات عديدة بالمجتمع كالنساء والشباب والمهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة وهو ماانعكس إيجابيا علي المشاركة في الاستفتاء دون الالتفات لما هدد به أعضاء الجماعات المارقة والخارجة عن طبائع مجتمعنا والتي تحاول هدم الدولة ، وهذا الإقبال الكثيف يعني تطلع الشعب لمستقبل أفضل وهو خطوة أولي في طريق النهوض الفعلي ببلدنا ، وعلي مجلس النواب القادم أن يترجم نصوص الدستور الذي وافق عليه ملايين الشعب إلي قوانين يتم تنفيذها علي أرض الواقع. وبشير إلي أن هذا الزحف الرهيب علي لجان الاستفتاء يعني الموافقة الكاسحة علي استحقاقات المرحلة الانتقالية ليس فقط من ناحية الحقوق وإنما من ناحية الواجبات أيضا التي سيؤديها المواطنون بكل الرضا الذي كشف عنه الاستفتاء . ويضيف أن ماحدث يومي الاستفتاء علي الدستور ليس مستغربا من رجال ونساء مصر لأن جذور شعبنا ضاربة في أعماق التاريخ وماأذهل به شعوب الأرض كثير وقديم ومتكرر واليوم يثبت أنه شعب لم يفقد عزيمته .
ويؤكد شرف أن المرأة المصرية كانت نجمة المشهد الديمقراطي الذي أسعدنا جميعا فخرجت لتتقدم كل طوابير الإدلاء بالرأي والتطوع لمساعدة المسنين ومعاونة أعضاء اللجان وتوزيع العصائر ورفع الأعلام وإعلان الفرحة بالزغاريد والرقص الشعبي وهذه هي طبيعتها فهي الأم والإبنة والزوجة والأخت وهي شريكة الرجل في ميادين الثورتين وطليعة المكافحين في أحداث مابينهما والمعني واضح في كثافة نزولها للتصويت بالموافقة علي الدستور فإلي جانب التأكيد علي مكتسباتها التي ضمنها لها الدستور تعيد التأكيد علي أن المرأة ستعود لممارسة دورها بشرعية دستورية وستساهم في بناء وطنها وعودة الأمن والأمان والاستقرار.
العمل الجاد
ويري د. صلاح فوزي أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بكلية حقوق جامعة المنصورة أن الكثافة المذهلة التي حدثت في استفتاء الثلاثاء والأربعاء الماضيين هي اجماع من الشعب علي خارطة الطريق لأن الدستور أحد أهم حلقات المستقبل وبالتالي فإنهم يعلنون تأييدهم لثورة 30 يونيو والتأكيد علي أنها ثورة شعبية بكل المقاييس العلمية ومن ثم علي المجتمع الدولي التعامل مع هذا الواقع والحقيقة الجلية. كما تدل هذه الكثافة علي أن عجلة التاريخ لاتعود الي الوراء والإرهاب لا يمكن ان ينتصر ابدا علي الدولة، والمطلوب الآن النظر للأمام ومحاصرة الفساد الذي تم اكتشافه والخيانات التي افتضح أمرها والتصدي للعنف بجميع الوسائل ثم العمل والعمل الجاد وليس العبث وإضاعة الوقت في الأمور غير المنتجة كامتهان الاعتصامات مهنة واحتراف الاضرابات حرفة، ويتحقق ذلك بقيام كل مواطن بواجباته مثلما يطالب بحقوقه. لقد شاهدنا جميعا عرس الاستفتاء بما فيه من محبة من الشعب لقواته المسلحة ورجال الشرطة وهو مايلزم الجميع باحترام القانون وعدم الهروب من تنفيذه، والحرص علي إنفاذه وتطبيق أحكامه من جانب رجال السلطة، وعلي كل الشرفاء المخلصين للوطن عدم التوقف عن بذل الجهود من أجل التنمية الشاملة الحقيقية وسيادة القانون وقد أكد عليهما الخروج بالملايين للاستفتاء علي دستور 2013 وهذا هو المعني الموضوعي ، لذا يجب الالتزام به والعمل علي استكمال معناه.
تحويل النصوص لواقع
والنظرة التي تراها د.نيفين مسعد أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والسياسة بجامعة القاهرة في خروج الشعب بكل طوائفه وفئاته وأعماره في هذا المنظر المهيب للمشاركة في الاستفتاء إن ذلك تأييد واضح لخارطة الطريق ومواصلة العمل من كل الشعب لاستكمال خطواته، إلي جانب أنه إثبات لايدع فرصة للشك في أن الشعب لايرهب من هؤلاء الذين يهددونه ويثيرون العنف ولن يترك لهم مواطن واحد فرصة لإسقاط الدولة ، وقد ساعد علي طمأنة الجماهير وخروج تلك الحشود المليونية في كل محافظات مصر تلك الحماية والإحاطة بالشعب اللذين قدمتهما قوات الشرطة والجيش والتي لم تؤثر فيها تلك المحاولات اليائسة التي وقعت في أماكن متفرقة فلم تؤد إلي احجام الناس عن الخروج لإبداء رأيهم كما لم تعطل عملية الاستفتاء. وإذا كان ذلك قد تم بفضل إرادة وتحد من الشعب بأسره فلابد إذن من أن نكون علي نفس مستوي الحدث الذي صنعناه وأن نستمر علي ذات النهج القوي الذي أدهش العالم وأن نحول نصوص الدستور الذي سارعنا لنقول رأينا فيه إلي قوانين واجراءات عملية وليست نصوصا نظرية تظل حبرا علي ورق وعلينا أن نوظف هذا التأييد الكبير لخطوات خارطة الطريق لتكون مصرعند حسن ظن العالم بها.
الاستقرار وإنهاء العذاب
ومن وجهة نظر د. رمضان بطيخ أستاذ القانون العام بكلية حقوق جامعة عين شمس وعضو اللجنة التأسيسية لدستور2012 أن الخروج الهائل للشعب المصري ليدلي برأيه في الاستفتاء علي دستور 2014 ليس خروجا من أجل الدستور ذاته بل هو خروج لتعلن تلك الحشود الهائلة الرغبة في الاستقرار والهدوء اللذين يتوق لهما بشدة عامة الجماهير ويتمناهما الشعب منذ 3 سنوات قضاهما في ألم وعذاب ومراحل انتقالية متعاقبة أرهقت اقتصاده كثيرا ونالت من مكانته وحان الوقت ليسترد مافقد منه . وماشاهدناه هو تعبير موضوعي عن التأكيد علي الموافقة علي خارطة المستقبل حتي لايشكك أحد فيها باعتبار انها مصدرالأمل في تحقيق الاستقرار وبناء مصر الحديثة . لقد أكدت أحداث 14و15 يناير أن الشعب المصري يري أن بلاده تسير في الطريق الصحيح حسبما هو مرسوم وأن الاستحقاقات القادمة ومايتلوها من عمل وانتاج واستقرار سوف يرفع مستوي المعيشة ويعيد مصر لمكانتها ويحقق للمواطن مايصبو إليه ودليل علي إيجابية النتائج المنتظرة للوطن.
تأكيد شرعية الثورة
ويقول عصام الاسلامبولي المحامي أمام محكمة النقض والدستورية العليا ان الخروج غير المسبوق للشعب المصري للمشاركة في الاستفتاء هو تأكيد قاطع علي شرعية ثورة 30 يونيو لتسترد ثورة 25 يناير ولتعيدها الي مسارها الصحيح بعد استلابها من قبل جماعة إرهابية ، وقد عزز ذلك أيضا شرعية وثيقة 3 يوليو 2013 وأنها لم تكن انقلابا وإنما هو إجراء دستوري وقانوني . وخروج الشعب يعلن بوضوح أنه لابد أن تتحول مواد الدستور من مجرد مشروع إلي وثيقة دستورية قانونية سياسية ملزمة للدولة تكمل خارطة المستقبل لتتم استحقاقات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتشكيل حكومة تتولي الوصول بالمجتمع إلي الاستقرار والعمل والانتاج.
أمنية التيار الإسلامي
ويكشف أمين مساعد حزب النور ورئيس اللجنة التعليمية بمجلس الشعب المنحل د. شعبان عبد العليم أستاذ الإدارة العامة بكلية التجارة جامعة بني سويف عن أنه لم يشاهد خلال كل الاستفتاءات السابقة هذا الإقبال الكبير والكثافة الجماهيرية وتلك الفرحة علي الوجوه فالذي تحقق يرضي جميع الفصائل، وقد كنا نتمني أن يشارك التيارالاسلامي بكامله في هذا العرس ليكون مكتملا ولكن البعض فضل ان يكون خارج الإجماع. وهذا الإقبال المكثف يفرض علي الحكومة أن تكون علي مستوي طموحات الجماهير التي فرضت واقعا جديدا فتلبي احتياجاتها دون التفاف عليها. والمعني المستفاد من خروج الملايين لتقول نعم للدستور هوأن يقرر الرئيس المؤقت البدء بالانتخابات الرئاسية أولا قبل الانتخابات البرلمانية ولايترك ذلك لرئيس قادم وعليه أن يراعي كل الأطراف ويشرف علي الانتخابات بنفسه ليضمن تمتعها بالشفافية والنزاهة.. والمعني أيضا أن المواطن عرف دوره في الحياة السياسية وواجبه نحو وطنه وعليه أن يستمر متابعا لتنفيذ الدستور مراقبا للعمل بنصوصه فلايسمح بتجاهلها.