الغبــاء السـياسـي من حكم الفراعنة إلي جماعة الإخوان

الغبــاء السـياسـي
من حكم الفراعنة إلي جماعة الإخوان


شاعت مقولة الغباء السياسي جماهيريا‏,‏ منسوبة إلي الرئيس السادات‏,‏ حين قدم أركان النظام المحسوبين علي عبد الناصر‏,‏ من وزراء وقيادات‏,‏ استقالاتهم‏,‏ سعيا إلي إيجاد فراغ دستوري‏,‏ يؤزم موقف السادات في أشهره الأولي في حكم مصر‏.‏
قبل السادات الاستقالات, التي قيل إنها جاءت بعد أن عقد بعض هؤلاء الوزراء جلسات تحضير أرواح, وبقيت من المشهد جملة السادات الشهيرة: دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي ولم يتعلم كثير من الساسة الدرس, فبعد أكثر من أربعين عاما من إطلاق السادات جملته الشهيرة, تصعد جماعة الإخوان إلي حكم مصر, لتصطدم بحائط الغباء الذي صنع علي أعينها وأيديها.
الغباء السياسي, طبقا للدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس هو عدم إدراك صانع القرار للمعطيات المحيطة به, ومن صفاته عدم إدراك القائد للواقع وإنكار الحقائق ففي الوقت الذي وصفت فيه وكالات الأنباء العالمية ما جري في30 يونيو بأن: طوفانا من البشر يخرج في شوارع مصر بصورة لم يشهد مثلها التاريخ من قبل كان الرئيس المعزول وجماعته يرون بضعة آلاف في الشوارع والميادين من الإسكندرية إلي أسوان.
وخطاب الرئيس المعزول مرسي قبل الأخير كاشف لما يمكن أن نطلق عليه الغباء السياسي فالرئيس لا يدرك مقام الرئاسة ومسئولياتها, حين يأتي في خطابه بأسماء مواطنين مثل فودة بتاع المنصورة و عاشور بتاع الشرقية والراجل بتاع المعادي وقد وصمهم بالبلطجة واستئجار البلطجية. هذا بخلاف التعريض بالكاتب مكرم محمد أحمد, والقاضي الذي ذكر اسمه رباعيا, واتهمه بالتزوير, دون سند قانوني, هذا رئيس لا يعي دوره ولا مسئولياته تجاه مواطنيه, ولا حتي فقه المواءمات, ففي لحظة يهتز فيها كرسي الحكم تحت قدميه, يعادي قوي سياسية ومواطنين, ويحول غيرهم إلي خصوم, ويصر علي أن يقدم نفسه للمصريين علي أنه رئيس لعشيرته فقط, وحين انشغلت الجماعة بالتمكين, لم تلتفت إلي نصيحة حليفها أردوغان رئيس وزراء تركيا, حين قال لمرسي: أنت تأكل أكثر مما تقضم.
نموذج للغباء
هل نستطيع أن نصم جماعة الإخوان بالغباء السياسي, خصوصا أنها ظلت علي مدار ما يقرب من80 عاما, تسعي إلي الوصول إلي سدة الحكم, ولما دانت لها مصر, عصف بها الشعب بعد عام؟
هنا يحدد الكاتب أحمد الجمال علامات دالة علي غباء هذه الجماعة السياسي, ومنها: أن تفصح علنا, وتؤكد مئات المرات علي مرجعية أيديولوجية بعينها, يعلم الجميع ما تحويه من أفكار ومنظومات للقيم, ثم تأتي وتعصف بكل ما في هذه المنظومة من قيم وأخلاق. ويقول: إن الجماعة مارست الكذب, واعتبرته مناورة سياسية, وأدخلته في باب الضرورات تبيح الكذب, مشيرا إلي أمارة أخري من أمارات الغباء السياسي, يوجزها في: اختلاف المسلك والتعامل مع الآخر بين عشية وضحاها, فقد كانوا قبل التمكن من الحكم بساعات يحاولون استرضاء الآخر السياسي والآخر الديني, ويطمئنون الجميع بأنهم لن يغالبوا أحدا, وأن منهجهم هو المواءمة والمصالحة, وفجأة قلبوا ظهر المجن للجميع, وبدأ التعامل الفوقي من رموزهم تجاه القوي السياسية, لدرجة أثارت الاشمئزاز والتندر, كما أنهم لم يخططوا في خطابهم السياسي للتمييز بين ما هو مرحلي آني, وبين ما هو مرحلي في المدي المتوسط.
ويتحفظ الدكتور محمد حافظ دياب أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها ـ علي الاصطلاح, لأنه يحتاج إلي مزيد من التدقيق, ولأن العلم دائما يفضل أن يصل إلي تقويم الفكرة, بعد فحصها درسا وتحليلا, ولأن المسألة السياسية أكبر من حمولة أو دلالة الذكاء أو الغباء السياسي. ورغم هذه التحفظات فإن الدكتور محمد حافظ دياب يؤكد أنه يمكن أن نتحدث عن هذه الجماعة كنموذج للغباء السياسي, لأنها لا تزال تمارسه, ويتخذ شكل التعويم في فكريات محايدة, وهذا موجود لدي حسن البنا عندما يتحدث عن أن الجماعة لها أهداف, مثل تربية الأمة وتطهير الروح, وقد حدد خطوات بناء الجماعة بترتيب, يبدأ بالفرد والأسرة, وينتهي إلي الخلافة الإسلامية.
أيضا وفي إطار حركة الجماعة خلال السنة التي قضتها في الحكم كما يقول الدكتور محمد حافظ دياب تكشف الغطاء غير الأخلاقي للخطاب, ومن أمثلة ذلك إخلاف الوعود والغدر بالحلفاء, ومحاولات التكويش علي السلطة, وفي كل الأحوال كان الغباء يمارس بشدة, وضمن إطار الحركة أيضا ما تعاملوا به مع الاقتصاد المصري بمنطق تاجر العملة, فخلال أربعين سنة كونوا امبراطورية اقتصادية, تمول الآن حوادث الإرهاب, التي تمارس يوميا ضد الجماعة المصرية, فهم يفعلون كل شيء, بداية من شراء الأسلحة وانتهاء برشوة الشباب, للانضمام إلي مظاهراتهم.
أين الغباء هنا؟ يجيب الدكتور دياب: لقد وقع في ظنهم أن مثل هذه الأمور يمكن أن تسقط الدولة المصرية, وهذا لا يقره عاقل إن جماعة الإخوان النموذج الأمثل للغباء السياسي, إذا قدرنا أن الجماعة المصرية أوصلتهم إلي سدة الحكم, ولم يصمدوا فيه سوي12 شهرا, حتي انكشفت عوراتهم, بمقتضي أن غالبية الجماهير ابتعدت عنهم.
الحاكم الغبي
كيف يصل الرجل الغبي إلي الحكم؟ الإجابة نتلمسها لدي العبقري جمال حمدان: إن مصر وحدها تسمح للرجل العادي المتوسط بل للرجل الصغير بأكثر مما ينبغي, وتفسح له مكانا أكبر مما يستحق, بينما تضيق أشد الضيق بالرجل الممتاز, إذ لا مكان له في توسطها ووسطيتها, وأفضل مكان له خارجها.
ربما لهذه الأسباب وصل كافور الأخشيدي إلي حكم مصر, وهو العبد, الذي جعل المتنبي يطلق لسانه في حق مصر والمصريين, فهو الذي قال في الأخشيدي:لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد وهو الذي قال في المصريين: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟ كان المتنبي يصب جام غضبه علي المصريين, الذين قبلوا بـ كافور الأخشيدي حاكما لهم.
كيف يمكث الحاكم الغبي سنوات طويلة في حكم مصر؟ تقول كتب التاريخ إن الحضارة الفرعونية, مثلما أذهلت العالم, قدمت لنا نموذجا للحاكم الغبي, الذي استمر حكمه94 عاما, فقد اعتلي بيبي الثاني عرش مصر وله من العمر ست سنوات, وعرفت مصر علي يديه الجوع, حتي إن الناس عجزوا عن دفن موتاهم, وتمزقت البلاد, وسقطت الأسرة السادسة علي يديه, بثورة شعبية.
الكاتب محمد توفيق بذل جهدا كبيرا في التأريخ لهذه الفكرة, بكتابه الغباء السياسي وأظن أنه الأول في هذا الإطار وهو يتساءل: من الغبي هنا؟ هل هو الطفل الذي لا يدرك ما يجري حوله أم النظام الذي سمح للأطفال أن يرثوا الحكم؟ ويري أيضا أن: الأنظمة الفرعونية لم تسقط بفعل الطغيان وحده, وإنما بفعل الطغيان المقترن بالغباء.