بعد حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية:كيف نواجه الإرهاب؟
لا نبالغ إذا قلنا إنه لا يوجد مكان علي أرض مصر في مأمن من حوادث الإرهاب, التي اتسعت رقعتها من شمال وجنوب سيناء, وحتي القاهرة والمحافظات, إذ
لا يخفي علي أحد الخطط التي وضعها التنظيم الدولي لجماعة الاخوان والتنظيمات الإرهابية, لإسقاط الدولة المصرية, بدءا من إشعال موجة العنف بالجامعات, وقطع الطرق, وعندما فشلت مخططاتها في الحشد, وزعزعة الاستقرار, وإعادة رئيسها المعزول محمد مرسي إلي الحكم, لجأت إلي الاغتيالات والتفجيرات, وآخرها عملية تفجير محيط مبني مديرية امن الدقهلية التي راح ضحيتها أكثر من15 قتيلا, وأكثر من150 مصابا.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن مواجهة الإرهاب الذي أطل برأسه من جديد بعد القضاء عليه في التسعينيات من القرن الماضي؟
الإجابة تأتي علي لسان الدكتور عادل عامر أستاذ القانون بجامعة طنطا ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية, والذي يؤكد أن خطر الإرهاب صار محدقا, وأن المواجهة معه تحتاج يقظة امنية, ونشاطا مكثفا لأجهزة جمع المعلومات, لإجهاض محاولات التفجير والاغتيالات قبل وقوعها, وكما هو معروف, فإن الجيوش لا تجيد التعامل إلا مع عدو واضح وظاهر ومنظم, ولكن التعامل مع خطر الإرهاب الذي يختبئ وسط المواطنين, هو صميم عمل الشرطة, ويمكنها أن تستعين بالجيش إذا كانت طبيعة الأسلحة التي تستخدمها مجموعة إرهابية عند ملاحقتها لا تستطيع الشرطة مواجهتها.. ووفقا لهذه الفلسفة, يمكن منع وقوع الجريمة, وهي تختلف عن فلسفة الأمن العلاجي الذي تهتم به الشرطة المصرية, وتعني الاهتمام بالقبض علي الجناة بعد ارتكابهم الجريمة, ولا شك أن اعتماد هذه الفلسفة كان يمكن أن يجنبنا حادث كنيسة الوراق, لأنه من بين مقومات فلسفة الأمن الوقائي انتشار رجال الأمن في التجمعات السكنية, ومن ثم, كان يمكن لأحدهم اكتشاف وجود شخصين ملثمين يستقلان دراجة بخارية ويتجهان نحو الكنيسة لابلاغ الآخر الموجود بالقرب من الكنيسة لاتخاذ إجراء يمنع وقوع الجريمة. مع ضرورة تفعيل منظومة الأمن الوقائي, لمواجهة اتساع رقعة الإرهاب وانتقاله للمناطق السكنية.
انتحار جماعة الإخوان
ولا يمكن لعاقل أن يتصور أي مستقبل لهذه الجماعة, فقد قررت هذه الجماعة الانتحار, ووضعت نهايتها بنفسها, وقد أصبح إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية أمرا واقعا, في ضوء الوجه القبيح للجماعة وحلفائها من جماعات الإرهاب, التي ترفع أعلام تنظيم القاعدة, وتضم أجانب إلي صفوف مقاتليها, ولا شك أن مواجهة قوات الأمن والجيش, لهذه التنظيمات المتطرفة والتكفيرية والإرهابية هي مسألة وقت لا أكثر, وإن تصاعدت وتيرة الإرهاب لفترة من الزمن, فلا مفر من القضاء عليها, كما أن الشعب المصري لم ولن يقبل هذا الإرهاب, وسوف يتكاتف مع الأجهزة المعنية في مواجهته والقضاء عليه, فالمواطن هو أحد الأدوات في منظومة مواجهة الإرهاب, كما كشفت تجربتنا في التسعينيات, حيث كان الشعب المصري كله يتعاون مع الدولة بإمدادها بالمعلومات, ومحاصرة المسلحين بعدم توفير مأوي لهم, والإبلاغ عنهم, حتي نجحنا في القضاء علي الإرهاب.
وبالطبع, فإن المواجهة المباشرة والعاجلة لهذه التشكيلات الإرهابية, التي انضم إليها الإخوان, مشاركين وممولين وداعمين وموفرين لها الغطاء السياسي, تتطلب جهدا أمنيا فائقا, سواء علي مستوي جمع المعلومات عن الأوضاع الحالية, واستعادة المعلومات المخزنة عن العناصر والمجموعات والخطط والترتيبات, أو علي مستوي الحركة السريعة والنشيطة والخلاقة في توجيه ضربات استباقية, تحت مظلة القوانين.
وبينما تركزت الجهود الأمنية المبذولة من جانب الجيش والشرطة للقضاء علي العمليات المسلحة في محافظة شمال سيناء خلال الشهور الأخيرة, وسع المسلحون من نشاطهم ليمتد إلي محافظة جنوب سيناء, في تطور وصفه خبراء, بأنه يسعي لتوسيع رقعه الإرهاب, وبعد فترة من الهدنة, اتسعت الرقعة أكثر من ذلك وخرجت عن شبه جزيرة سيناء, لتمتد إلي مدينة الإسماعيلية, ومنها إلي القاهرة, ثم حادث تفجير سيارتين بمقر المخابرات الحربية برفح, وانفجار سيارة بمدخل قسم شرطة الشيخ زويد, وانفجار آخر بسيارة ملغمة في حاجز الريسة الأمني بمدخل العريش. فضلا عن عشرات الحوادث الأخري, التي يقوم خلالها المسلحون باستهداف حافلات لقوات الأمن بأسلحة آلية متوسطة وثقيلة وزرع عبوات ناسفة علي مسارات سير آليات عسكرية في أثناء تحركاتها في المنطقة المحصورة من العريش حتي الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل.
وكما هو معلوم, فإن الجماعات المسلحة في سيناء تضم خليطا من تكفيريين وإرهابيين جاءوا من الشيشان, واليمن, وليبيا, وحركة حماس وجيش الإسلام بغزة, ويتمركزون في شبه الجزيرة بهدف تحويلها لإمارة إسلامية تتبع غزة, وقد ساعدهم علي ذلك نظام الرئيس المعزول محمد مرسي, الذي سمح لنحو3000 شخص من جنسيات مختلفة بالتوطين في سيناء, وأفرج عن الكثير من الإرهابيين من أجل تحقيق حلم الإمارة في شبه الجزيرة وفصلها عن مصر., وقد سعي تنظيم الإخوان لإنشاء الجبهة الشرعية من أجل إعادة تجميع تلك الجماعات الإرهابية المسلحة ضد الجيش والشعب المصري, فالاتصالات مستمرة بينهم, وقد كشف قيادات الجماعة عن ذلك في مناسبات عديدة.
الإرهاب المنظم
وبعد عزل محمد مرسي, تمت اعتداءات منظمة علي المؤسسات والمنشآت الحكومية, واستهداف اقسام الشرطة, ورجال القوات المسلحة, وعندما فقدت جماعة الإخوان الأمل في عودة المعزول, وفشلت في القدرة علي الحشد, لجأت إلي تأليب شباب الجامعات, وتزامن مع ذلك عودة الإرهاب, من خلال الاغتيالات, والسيارات المفخخة, وقد ظهرت أجندة عنف الإخوان أخيرا لهدفين: أولهما ترويع الجماهيرالتي خرجت في30 يونيو الماضي, والثاني: تهديد الجيش المصري والشرطة بغية التراجع عن خريطة الطريق, وتعطيل الاستفتاء علي الدستور, وعلي الشعب أن يتكاتف مع الجيش والشرطة في حرب المواجهة مع الإرهاب, مشيرا إلي أن من يطلق الرصاص لابد من مهاجمته بنفس الطريقة, وبلا رحمة, ومواجهة جماعة الإخوان, وحلفائها من جماعات الإرهاب المنظم, التي تساند الإخوان من أجل زعزعة الاستقرار, وهدم الدولة, وإسقاطها, من خلال تفجير القنابل, وقطع الطرق, وتعذيب المواطنين حتي الموت, وتكفير المصريين, وترويعهم وترويع الأقباط, وحرق كنائسهم ومنازلهم, ورفع علم القاعدة علي الكنائس, وتفجير السيارات, وإشعال موجة العنف في الجامعات, والدعوة للجهاد, وتهديد الجيش, قتل الجنود والضباط يوميا في سيناء, وكذلك الدعوة لقتل شخصيات عامة.. والحقيقة, أن من يفكرون في مقاومة القوات المسلحة ببعض فئات من الشعب مخطئون من الناحية العسكرية, لأنهم لم يفهموا إمكانات الجيوش الحديثة وقدراتها, ومخطئون دينيا, لأنهم يلقون بأيديهم إلي التهلكة ويعرضون أنفسهم لمخاطر لا قبل لهم بها.
منظومة شاملة للمواجهة
لا تستطيع دولة في العالم منع الجريمة بنسبة100%, ولا شك ان أي جهاز أمني يبذل أقصي جهد للقيام بدوره في ضوء الامكانات المتاحة, لكن التصدي للإرهاب, لا يجب أن يقتصر علي المواجهة الأمنية فقط,- هكذا قال لنا اللواء فؤاد علام وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق- إذ يجب العمل علي إعداد منظومة متكاملة لمواجهة الفكر المتطرف, من خلال حل كل المشكلات الاقتصادية, التي تدفع البعض للانضمام للتنظيمات المتطرفة, ونشر الإسلام الوسطي, والتصدي للأفكار المتطرفة, وترسيخ ثقافة الحوار الديمقراطي, ولابد من الارتفاع بالمستوي الثقافي والاقتصادي لرجال الشرطة, إلي جانب ضرورة الاتجاه لاستخدام التكنولوجيا الحديثة, كما يجب علي أجهزة جمع المعلومات بذل الجهود لإيقاف نزيف دخول الأسلحة إلي مصر عبر الحدود, والأنفاق في منطقة سيناء, وكشف مخازن الأسلحة والذخيرة, واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها, وإصدار تشريعات عاجلة لتشديد العقوبات علي مرتكبي جرائم الإرهاب, ومن يحملون السلاح.
الإرهاب العائد من التسعينيات
ولاشك أن ما شهدته مديرية امن الدقهلية, وما سبقها من محاولات اغتيال وتفجير واستهداف للمنشآت الشرطية والعسكرية, يؤكد كما يقول اللواء أحمد الفولي مساعد وزير الداخلية للحراسات الخاصة سابقا, عودة الإرهاب الذي كان سائدا خلال التسعينيات من القرن الماضي, والذي تمكنت أجهزة الأمن من القضاء عليه, مؤكدا علي أهمية تعاون الشعب مع المؤسسات الأمنية والعسكرية, وإعادة ضباط أمن الدولة السابقين إلي عملهم للاستفادة من خبراتهم, وكذلك من الضروري الاستعانة بضباط الأمن السابقين الأكفاء, للاستفادة من خبراتهم في التعامل مع جرائم الإرهاب.
ضربات استباقية
والحال كذلك, فإن المواجهة مع الإرهاب كما يقول اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية السابق والخبير في الشئون الأمنية, ينبغي أن تكون أحدي الاولويات العاجلة للحكومة, مشيرا إلي أن حوادث الإرهاب التي ترتكبها جماعة الإخوان وحلفاؤها لم تكن مفاجئة, وكان متوقعا لجوء هذه التنظيمات الإرهابية إلي الاغتيالات والتفجيرات, واستخدام السلاح في مواجهة المواطنين, والاعتداء علي المنشآت العسكرية والشرطية, ناهيك عن الاستعانة بخريجي كليات الهندسة والعلوم لتصنيع القنابل اليدوية, والجماعات المسماة بالاسلامية, والهجوم علي المنشآت العسكرية والشرطية, ولم تتوقف العمليات الإرهابية منذ قيام ثورة30 يونيو, التي أشعلت غضب الجماعات التكفيرية والإرهابية عقب عزل الدكتور محمد مرسي, حيث شهدت مصر العديد من محاولات الاغتيال والتفجير, ومن أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم, وتفجير اتوبيس نقل الجنود في سيناء, وعملية تفجير معسكر الأمن المركزي بالاسماعيلية, وعملية التفجير التي وقعت قبل يومين في محيط مبني مديرية أمن الدقهلية التي راح ضحيتها نحو15 قتيلا, و150 مصابا, هي آخر الحوادث الإرهابية, ويبدو أن الإرهاب لن يتوقف خلال المرحلة القادمة بهدف زعزعة الاستقرار, والنيل من هيبة الدولة, مطالبا بضرورة إعداد خطة واضحة ومحددة للحكومة للتعامل مع الإرهاب, واعتبار الإخوان جماعة إرهابية, وأهمية الاختراق المعلوماتي لهذه الجماعات الإرهابية, حتي يمكن الكشف عن مخططاتهم والتصدي لها قبل وقوعها, متوقعا ازدياد موجه العنف والإرهاب خلال المرحلة المقبلة, وإجراء محاكمات عاجلة لمرتكبي حوادث العنف والإرهاب, وتشديد العقوبة إلي حد الإعدام حتي يكونوا عبرة لغيرهم, وتكثيف الوجود الأمني حول أماكن تجمعات المواطنين, والمنشآت والحيوية,, وتركيب كاميرات مراقبة عالية التقنية للوصول للجناة بسهولة.