السيد البدوي..فيلم الكرامات الواقعية
ينطبق علي فيلم السيد البدوي لبهاء الدين شرف1953, كل ما يناسب الفيلم الديني الذي يعتمد في كل أحداثه علي شخصية واحدة نتتبع سيرتها منذ لحظة ميلادها,
اوتكتب كلمة النهاية عند رحيلها. ولكن يبقي هذا الفيلم الأكثر واقعية وعقلانية من بين كل الأفلام الدينية المصرية, خاصة فيما يتعلق بالكرامات التي تتحقق علي يدي صاحب هذه الشخصية. ومع أول الفيلم, نحس أننا أمام عمل يختلف, فلأول مرة في تاريخ السينما, وربما لآخر مرة, تذكر مجموعة من المراجع التي تم الاستناد إليها في قص هذه القصة, لم يذكر الفيلم مرجعا واحدا فقط, ولكن خمسة مراجع من التراث, إذن فنحن أمام فيلم نري وقائعه من خلال مراجعه, ويبدو أقرب إلي الجانب العلمي منه, خاصة أننا أمام شخصية لا تواجه اعتراضات رقابية بشأن ظهورها في السينما, فالسيد أحمد البدوي مولود في فاس عام591 هـ من أسرة ذات جذور شرقية.
ومنذ الوهلة الأولي ونحن أمام حالة توثيق تاريخية للشخصية التي نحن أمامها, فنعرف أننا في عام591 هـ(1197 م) وفي مدينة فاس. حيث تقترب الكاميرا من صحن المسجد, من خلال نافذة لنري الشيخ علي البدوي وقد انتهي من صلاته, ثم يقبل إليه شيخ من أبرز علماء الإسلام في المغرب, إنه الشيخ النيسابوري الذي يحدثه قائلا: لك عندي بشري عظيمة.. لقد رأيت في الأمس فرحة, وفي السماء سرور.. عامود من النور, ثم يكمل قائلا: قيد عنك, وقل للخاص والعام, إننا في عام خير وبركة ـــ إن شاء الله.
وهكذا, فإننا من المشهد الأول, ونحن أمام هذه السمات التي سبق أن ذكرناها, فها هو الحسن يأتي ليبلغ أباه بأن أمه قد ولدت وليدها المنتظر هذه الليلة, ويرد علي البدوي الشيخ النيسابوري: رزقني الله بستة غلمان وهذا سابعهم, فيعلق الشيخ بكل الإعجاب تبعا لما شاهده في الرؤيا أنه أكثر من سبعة, ومن السبعين, ومن السبعمائة ألف. ويعطي هذا الإيحاء أي شخصية سوف نراها ضمن أحداث الفيلم ويتم تعاقد شفهي بين الشيخين, فالأب يعلن أنه قد وهبه لله, وفي سبيل الله, ويسميه الشيخ بالأحمد.
وأسوة بكل الأفلام الدينية, وكل أفلام السينما في تلك المرحلة, فإنه بين بعض الأحداث يقطع المخرج الأحداث لنشهد استعراضا, أو رقصا, أو نشدا دينيا حسب الأحداث, وفي سبوع المولود يحاول الصغير أن يمسك مسبحة الشيخ, فيخبر هذا الأب أن الوقت لم يحن للمسبحة, ويدعو له: اللهم أحرسه بعينيك التي لا تنام. وفي مكان آخر تردد القابلة: ما رأيت من قبل طفلا يولد بمثل هذه الولادة السهلة.
وعلي طريقة الراوية نعرف أنه قد مر سبع سنوات, وقد آن علي أحمد البدوي الطفل( سليمان الجندي) أن يودع شيخه من أجل الرحيل لطلب العلم. ويردد قائلا: أستاذي لا أقدر علي مجازاتك.. فكلام الله لا يجازي عليه إلا الله.
وسرعان ما يكشف الفيلم عن الصراعات السياسية في تلك الفترة, فتسمع بعض المصلين يعلقون أن الشرق قد تم غزوه ببني أمية, أما الغرب فقد غزاهم الموحدون, وهنا يتدخل علي البدوي( أحمد علام) باعتباره أحد هؤلاء الموحدين قائلا: يا أصحاب الرجل.. مثل هذا الكلام لا يقال في المساجد.ويكشف الفيلم عن أن فاس قد تحولت إلي حلبة للصراع السياسي, ولذلك تسرع الأسرة بالعودة ثانية إلي مسقط رأسها الأساسي: قريش: لنعد إلي الحجاز, موطن جدودنا, ففي قريش يطيب العيش.. وقبل الرحيل يعلق الشيخ النيسابوري: الدنيا سوف تتبع ركابك, وأنت زاهدها, والأمراء يقفون علي بابك, وأنت مرشدهم. وكأنما بذلك يكشف لنا عن المكانة التي سيحققها هذا الصغير عندما يتقدم به الزمن. ويسلمه المسبحة التي قام بلمسها وهو في يومه السابع.وعن طريق الحوار أيضا يردد البدوي لأخيه الذي لم نره وقد تزوج قط.. الروح لا يطهرها إلا الصوم والصلاة والانقطاع لعبادة الله, ويقول أيضا: إن النفس في عناء.. ولا تخضع إلا بعد جهاد طويل.. وأنا في أول الطريق يا أخي. ومن الواضح أن السيناريو يحاول تكثيف أغلب كلمات السيد البدوي في مثل هذا الحوار. ورغم طول التحاور, فإن طريقة أداء عباس فارس, وعمق المعاني التي تمثلها الجمل, تبعد المتفرج عن أي إحساس بالملل, فإلي أن يتمكن المتفرج من تفسير إحدي الجمل أو أن يحلق فيها, حتي يجد نفسه أمام جملة أخري, وعندما ينتهي الحوار, فإنه يكتشف أنه في حاجة إلي سماع المزيد منه.أما الجزء الأخير من الفيلم, فهو ليلة الثاني عشر من ربيع الأول عام635 هـ(24 أغسطس1276 ميلادية) حيث تحتفل الأمة بذكري المولد النبوي الشريف. وقبل أن يلفظ البدوي روحه يتحدث إلي خليفته عبد العال( فاخر فاخر) فيوصيه: لا تبكي علي النفس الذاهبة إلي ربها راضية مرضية.. بل ابك علي النفس التي تعيش في سخط الله, كما يترك له مجموعة من الوصايا منها: وأعلم أن كل ركعة بالليل خير من ألف ركعة بالنهار و يا عبد العال اشفق علي اليتيم وأكس العريان وأطعم الجوعان وأكرم الغريب والضيفان عسي أن تكون عند الله من المقبولين. وما أن يلفظ البدوي الروح حتي نسمع الراوية يردد: وصارت داره مسجدا للمسلمين يتدفق الحكام إلي أبوابه ويزداد علي الأيام مجده.. إنك خالد مع الخالدين.. ثم تنتقل الكاميرا إلي العصر الحديث حيث تزدحم طنطا في أثناء مولد السيد البدوي, لتعبر عن مكانة الرجل بين المعاصرين, مثلما كانت بين معاصريه.