نشر أول دراسة عن الإرهابيين التائبين
أبرياء علي قائمة الاغتيال
قتلتهم يد الغدر دون ذنب ولا جريرة.. اخترقت رصاصات الإرهاب قلوبهم وصدورهم, وهم يؤدون واجبهم الوطني في حماية الحدود, أو تأمين المنشئات, أو الحفاظ علي الأمن, وآخرون لم تمت إليهم يد الإرهاب الغادر بعد.
لكن جماعات الإرهاب وضعتهم علي قوائم الاغتيالات, انتقاما من السلطة الحاكمة ومن المجتمع بأسره
لم تجد جماعات الإرهاب, القدرة علي الحشد والتأثير في الشارع, كما تبددت آمالها في إعادة الرئيس المعزول محمد مرسي فلجأت إلي عمليات الاغتيال, وقتلت جنودنا الأبرار في سيناء والعريش ورفح, واستهدفت المرافق والمنشآت المدنية الحيوية والعسكرية بقذائف آر بي جي, والقنابل شديدة الانفجار, والسيارات المفخخة, واغتالت ضابط الأمن الوطني المقدم محمد مبروك كما اغتالت العديد من ضباط الشرطة وافرادها أثناء قيامهم باداء واجبهم, وخططت لمحاولة تفجير موكب وزير الداخلية, اللواء محمد إبراهيم, وكذلك الهجوم علي كنيسة العذراء بمنطقة الوراق بالجيزة.
ولم تتوقف تلك الجماعات عند هذه العمليات, بل أعدت قائمة اغتيالات, علي جهاز كمبيوتر محمول لاب توب, ضمت أسماء عدد من الشخصيات العامة, وضباط الشرطة, وخرائط للعديد من المرافق الحيوية, وقوائم أخري تتضمن عناوين بعض الكنائس, بحوزة عدد من المتهمين أثناء القبض عليهم في حملة موسعة لضبط العناصر المشتبه بها في واقعة مقتل النقيب أحمد سمير الكبير, وأثناء ملاحقة المتورطين في اغتيال المقدم محمد مبروك,
عودة الإرهاب
وقد واجه المجتمع المصري- كما تقول الدكتورة سوسن فايد مستشار علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- والتي أجرت دراسة مهمة حول الإرهاب- عاصفة من الحوادث الإرهابية خلال العقود الثلاثة الماضية, والتي أثرت بلا جدال علي الاستقرار الاقتصادي وبرامج التنمية, وهددت الأمن الاجتماعي, وبالرغم من مبادرة وقف العنف التي جرت عام1997 في أعقاب المرجعات الفكرية والفقهية التي أجرتها القيادات التاريخية للجماعة, إلا أن أنشطة الجماعات الإرهابية الأخري كالجهاد, وبعض روافد تنظيم القاعدة لا تزال تطفو علي السطح بين الحين والآخر.
تعود الدكتورة سوسن فايد في دراستها إلي الوراء, حينما تعرضت مصر للعديد من العمليات الإرهابية كاستهداف السائحين الأجانب, مثل أحداث الدير البحري في نوفمبر عام1997, والمتحف المصري بالقاهرة, والتعدي علي القطارات, وتفجيرات طابا عام2004, وشرم الشيخ عام2005, ولم تسلم الشخصيات العامة, ورموز الدولة, ورجال الفكر من عمليات الإرهاب, حيث تمكنت الجماعات المتطرفة من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات, كما تم اغتيال المفكر فرج فوده, والدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق, ومحاولات اغتيال اللواءات زكي بدر, وحسن الألفي, والنبوي إسماعيل وزراء الداخلية السابقين, والدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء, وصفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق, والكاتب الصحفي الشهير مكرم محمد أحمد, والأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ.
تم سحب عينة عمدية من قيادات وأعضاء الجماعة الإسلامية المفرج عنهم, وضمت تلك العينة نحو50 عضوا بواقع10 أعضاء من محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية, وهم يمثلون موطن أهم حوادث الإرهاب, ومحافظتين بالصعيد وهما المنيا أسيوط, وتمثلان الموطن الأصلي للنسب الأعلي لأعضاء الجماعة الإسلامية, وقد روعي أن يكون أعضاء الجماعة- محل الدراسة- من المفرج عنهم بعد مدة لا تقل عن10 سنوات من السجن والاعتقال, وأن يكونوا من الأعضاء البارزين أو قادة الفكر.
التحليل النفسي والاجتماعي للإرهابيين
وقد أسفر التحليل النفسي الاجتماعي للمبحوثين عن العديد من النتائج من بينها أن الحرمان من رعاية الأبوين أو كليهما في سن مبكرة, جعل من الجماعة البديل الراعي الذي يقدم الحماية والإشباع والحلول للمشكلات, واستعادة الأمان, والاستقرار النفسي النسبي, كما أن الاضطرابات التي تنشأ في العلاقة الوالدية التي تمثل رمزا للسلطة في الأسرة قد ينمو ويصبح صراعا مع أي رمز للسلطة علي المستوي الاجتماعي أو السياسي أو الديني, وهو ما يفسر لنا رفض بعض الشباب بعنف الانضواء تحت اية سلطة حتي لو كانت رشيدة, فهم يفضلون تكوين مجموعات الأصدقاء ممن هم في مثل سنهم وظروفهم دون وصاية أو توجيه من مصدر أعلي, يضاف إلي ذلك أن العنف والإرهاب قد يكون مدفوعا بأشياء أخري مختلفة عن الشكل الظاهر تماما, فقد يكون عضو التنظيم أو الجماعة قد وقع تحت تأثير معاناة مادية أو اجتماعية أو سياسية شديدة, أو فشل في تحقيق ما يريد علي المستوي الشخصي, لذلك يقوم بتحويل القضية الشخصية إلي قضية عامة, مما يعطي لمعاناته ومحاولاته معني أكبر يخفف من آلام الإحباط الشخصي الذي يشعر به, وفي ذات الوقت لا يجد نفسه وحيدا في هذه الأزمة, وهنا يقول أحدهم: لقد انضممت للجماعة حلا لمشاكل اقتصادية وأهمها البطالة!!
وقد أكد أعضاء الجماعة الإسلامية الذين شملتهم الدراسة كما تقول الدكتورة سوسن فايد- أن التعليم وهمي لا يحقق الغرض منه لإعداد إنسان قادر علي التفكير السليم, وعاجز عن إيجاد حلول وبدائل سليمة للمشكلات, كما أن الإعلام مستفز, ويعلم العنف, ومن ثم فهويحفز الضغوط بدلا من تهدئتها, وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة, والمعاناة المادية أجمع المبحوثون علي معاناتهم المادية ونقص الإشباعات, كما أشاروا إلي أن الحاجة إلي الإطلاع علي الدين موجودة, لكنها لم تشبع بتأصيل روح الدين, وأن هناك نقصا في التنشئة الاجتماعية علي مستوي الأسرة أو المدرسة وحتي المساجد, حيث أثبتت التجربة أن الجماعة الإسلامية وقعت في أخطاء جسام في الفهم الصحيح لتعاليم الدين نتيجة التقصير في المناهج الدراسية والنظم السياسية والإعلامية, حيث أشار عينة منهم إلي أنهم لم يجدوا الفرصة للمشاركة السياسية أو إقامة حوار للتعبير عن مشكلاتهم أو متطلباتهم بشكل منظم وآمن يقلل من من فرص اللجوء إلي الانضمام للجماعة للتعبير عن أنفسهم بالعنف والأعمال الإرهابية, كما أنهم أشاروا إلي أن غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات والدخول والخدمات واتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية يعمق الاحساس بالظلم, ويؤكد الشعور بإهدار الحقوق, مما يجعل الانتقام هدفا مشتركا لهذه الجماعات الإرهابية لانتهاك حقوقهم, وافتقادهم للعدالة, ومعاناتهم من الحرمان الاجتماعي وفقدانهم الهوية, وقالوا لقد وجدنا عدلا داخل الجماعة, وبين أعضائها, حيث لا تمييز بينهم, وهو ما يفوق العدل في الحياة اليومية بالمجتمع.
سيناء مسرح الاغتيالات
ولأن سيناء قد أصبحت مسرحا لعمليات الإغتيال والإرهاب خلال الشهور الأخيرة, علي حد قول- اللواء طيار أركان حرب متقاعد محمد زكي عكاشه رئيس حركة مقاتلون من اجل مصر-, حيث تم قتل25 من جنودنا برصاصات الغدر, فيما تم تفجير أحد اتوبيسات التي تقل الجنود في عملية انتحارية, حيث استقرت العديد من الجماعات التكفيرية هناك, واستفحلت هذه الجماعات خلال الفترة الماضية لكن القوات المسلحة, وأجهزة الشرطة بدات بعد30 يونيو المواجهة مع الإرهاب, فدمرت مئات الأنفاق, التي كانت جماعات الإرهاب تستخدمها في تهريب الأسلحة والعناصرالتكفيرية, وتمكنت من قتل وضبط عشرات العناصر التكفيرية, الذين جاءوا لزعزعة الاستقرارفي سيناء, وتنفيذ العمليات الانتحارية والتفحيرية ضد جنود مصر الأبرار, و استشهد العديد منهم اثناء اداء الواجب.
التنمية هي الحل
ولأن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي لتخليص سيناء من براثن الإرهاب, فإن التنمية- كما يقول اللواء حسام سويلم الخبير الاستراتيجي ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة سابقا- لن تتحق إلا بعد تدمير الانفاق نهائيا, لمنع تسرب عناصر حركة حماس, وجند الإسلام, وجماعة أكناف بيت المقدس, وغيرها من التنظيمات التكفيرية التي تمثل قاعدة عسكرية ولوجستية داعمة لجماعة الإخوان المحظورة, كما أنها تشكل ركيزة إمداد مستمر بالإرهابيين, والأسلحة, والذخائر, والأموال, إلي المنظمات الإرهابية المتواجدة في سيناء, مشيرا إلي أن التنظيمات الإرهابية في سيناء تحظي بتمويل ضخم من قوي خارجية, تخطط لزعزعة الاستقرار والأمن في سيناء, واستهداف الأمن القومي المصري, اعتمادا علي القوي البشرية المسلحة من أفراد هذه الجماعات المسلحة, إلي جانب تهريب الأسلحة عبر الأنفاق والحدود المصرية
وبشكل عام, فإن المواجهة العسكرية مع هذه التنظيمات التكفيرية الإرهابية في سيناء, قد حققت نجاحات كبيرة, والكلام مازال لـ اللواء حسام سويلم لكن هذه المواجهة ليست سهلة, وتحتاج إلي بعض الوقت, خاصة أن أعضاء هذه الجماعات يقيمون وسط السكان في مناطق داخل وحول مدن رفح, والشيخ زويد, والعريش, مثل الجميعي والمهدية, وجعشبان, والبرق, وغيرها, كما يختبئون في الزراعات والأحراش وأشجار الزيتون, كما أنهم يمارسون أنشطتهم الإرهابية تحت جنح الظلام, فضلا عن الطبيعة الصحراوية لأرض سيناء, وما تحتويها من بعض الجبال التي تشكل ملاذا لأعضاء هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة, للهروب من الملاحقات والهجمات العسكرية والأمنية التي تشنها الجيش والشرطة, لتصفية هذه البؤر الإرهابية.