طرد السفير التركي.. التاريخ يعيد نفسه
أردوغان احترم المصريين سابقا وسيحترم إرادتهم لاحقا
مع بدء رحلته لروسيا الخميس الماضي, عاود رئيس الحكومة التركية ترديد مقولاته الرافضة لمرحلة ما بعد30 يونيو,ويبدو أن الرجل لم يدر بخلده, أن تلجأ الدولة المصرية إلي اتخاذ أي رد فعل, عزز اعتقاده هذا, أنه في كل مرة يشجب ويدين ويندد, يأتيه رد فعل مؤداه أن صبر القاهرة نفد ولا شئ غير ذلك,
ورغم كل ذلك جاء ما لا توقعه الباديشاه الجديد في وريثة رجل أوروبا المريض وإمبراطوريته المنقضية, رجب طيب أردوغان,إذ نفذت الخارجية تهديدها وطردت سفيره, وعلي عجل قالت الدبلوماسية التركية أنها بصدد دراسة إجراءات أكثر تصعيدا, لكنها اكتفت بإجراء روتيني وهو الرد بالمثل لحفظ ماء الوجه, تاركة العنان لصحفها الموالية لها الصادرة في اليوم التالي, للتنفيس عن بعض من غيظها المكتوم وفشلها المتواصل علي صعيد الجوار وفي شمال القارة السوداء. فصحيفة يني شفق حملت إدارة السيسي( نسبة إلي عبد الفتاح السيسي) الانقلابية مسئولية قطع العلاقات مع تركيا, وعلي نفس الإيقاع نددت صحيفة ميللي جازته بالإجراء غير الشرعي الذي قامت به سلطة لم ينتخبها شعبها, قائلة إن السيسيهو الذيفجر الأزمة الدبلوماسية مع أنقرة, وعادت يني شفق بمزيد من التفصيل, زاعمة ان قرار المجلس العســـــكري( وليس الحكومة) جاء نتيجة موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم الداعم لمحمد مرسي باعتباره الرئيس المنتخب فضلا علي إنها ضد الاعتقالات التي تتم في مصر, وكذا الأحداث التي أدت إلي مقتل الأبرياء في إشارة إلي فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس الماضي. في المقابل هناك مناوئون وكعادتها كانت صحيفة جمهوريت ــ الجمهورية هي الأكثر جرأة فتحت عنوان طرد السفير التركي والعزلة التركية الدولية قدمت تحليلا لافتا قائلة في مواقف متشابهة للحظة الراهنة سرعان ما يتبادر إلي الاذهان كلمات شهيرة للزعيم الايطالي الفاشي موسوليني: أنه كلما زاد الأعداء, فهذا شرف ومجد, وما يدعو إلي السخرية أنها تلخص المكانة الدولية التي أصبحت عليها تركيا فبدءا من سوريا والعراق مرورا بمصر وانتهاء بدول الخليج بإستثناء قطر, جميعها صاروا يكرهون أردوغان, والسؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه هل أردوغان بالفعل يشعر بالفخر كون الكارهين له في زيادة ؟
وقبل أن نجيب علينا أن نستعيد من التاريخ القريب نسبيا هذا المشهد العجائبي, فقبل ستة عقود تقريبا وتحديدا عام1954 وقع حدث مماثل أصاب العلاقات بين البلدين في مقتل, عندما أبعدت القاهرة سفير أنقرة فؤاد خلوصي توجاي, لانتقاده ــ غير اللائق والذي وصل إلي حد التراشق اللفظي ــ الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالنظام الملكي عقب ثورة23 يوليو1952, الطريف أن سبب غضبه العارم لم يكن غيرته علي الديمقراطية وإنما لأن عقيلته السيدة أمينة تنتمي بصلة قرابة لعائلة الملك فاروق.
أما المفارقة المذهلة أن الواقعة جاءت خلال حقبة الحزب الديمقراطي بخمسينيات القرن الماضي, بزعامة الثنائي: عـدنان منـدريـــس(1899 ــ1961) ومحمود جلال بايار(1883 ــ1986), ويكاد يكون العدالة الحالي بثنائيه, جول وأردوغاننسخة طبق الأصل من ذاك الحزب وأيديولوجيته المرجعية الإسلامية المحافظة, ولم تمر سوي سنوات قليلة إلا وعادت العلاقات من جديد, واستقبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, رشدي فطين أوغلو وزير الخارجية التركي في ذلك الوقت وقال عبارته المشهورة أن مصر وتركيا يمكنهما عمل الكثير كل في منطقته. وها هو الرئيس عبد الله جول في تصريح له يصف فيه بلاده ومصر مثل نصفي تفاحة, ويعود وزير الخارجية داود أوغلو ليحذو حذو رئيسه معتبرا البلدين قوتين إقليميتين كبيرتين, وإن مصر هي العمود الفقري للمجتمع العربي, واستقرارها يرتبط ارتباطا مباشرا باستقرار المنطقة, ومن ثم فالصداقة التركية ـ المصرية أبدية وما حدث نوع الأزمات المؤقتة.
أما أردوغان فقد أكد أنه احترم إرادة المصريين الذين ذهبوا إلي صناديق الاقتراع, إلا أنه قال في ذات الوقت إنه سيحترم إرادتهم لاحقا, أي أنه ترك الباب مواربا فمع أول استحقاق للاقتراع ستعود العلاقات إلي سابق عهدها أي أناردوغانفي النهاية ليس مسوليني وتلك هي إجابة السؤال الذي طرحناه قبل قليل.