استيعاب الباعة الجائلين أثار المشكلة
تراث الإسكندرية في مرمي التشويه!
تشهد الاسكندرية هذه الأيام صراعا جديدا من أجل الحفاظ علي تراث المدينة الذي يندثر يوما بعد يوم, وذلك بسبب قرار المحافظ اللواء طارق مهدي بإقامة ما يقرب من900 كشك في مناطق متفرقة بالمدينة منها136 في( ميدان المنشية) كمحاولة لاستيعاب جزء من الباعة الجائلين الذين يحتلون الآن المناطق العامة ويشوهون الشكل الحضاري للمدينة.
هذا القرار رفضه المثقفون والمعماريون ومنهم الدكتور محمد عادل دسوقي أستاذ الهندسة المعمارية والتصميم البيئي بالأكاديمية العربية للنقل البحري الذي يقول ان القرار يتعارض مع القانون رقم119 لسنة2008 فيما يخص استغلال المناطق التراثية, لما يتضمنه من تشويه للطابع العمراني لهذه المنطقة التاريخية( ميدان القناصل) التي اقامها محمد علي بين أعوام1830 و1840 وتضم تمثاله البرونزي الشهير علي صهوة جواده, بالإضافة الي ان زيادة الاستخدامات التجارية بالمنطقة سوف تعقد مشكلة المرور... ويؤكد أن ميدان المنشية وما يحيط به من مبان تاريخية مهمة مثل سراي الحقانية والكنيسة الإنجيلية وغيرهما تمثل جزءا مهما من تاريخ مصر يليق بنا أن نرعاه ونبرزه للأجيال الجديدة لا أن نهدره وننقص من شأنه بإنشاء مثل هذه الأكشاك. ويضيف دسوقي أن هذا الميدان كان مزارا للكثير من الملوك والرؤساء فقد زاره الملك فاروق لافتتاح النصب التذكاري للخديو اسماعيل( الجندي المجهول الآن) كما ألقي فيه الرئيس جمال عبد الناصر خطاب تأميم قناة السويس عام1956 وشهد أيضا محاولة اغتياله الفاشلة وقبلها كان هذا الميدان( ميدان القناصل) مسرحا لكثير من أحداث الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي لمصر في1882 وقد أطلق عليه اسم ميدان القناصل لانه كان محاطا بالكثير من القنصليات الأجنبية التي اختارت هذا المكان باعتباره أرقي أحياء المدينة قديما.
مشكلة متجددة
ويؤكد الدكتور محمد دسوقي أن إقامة هذه الأكشاك لن يقدم حلا نهائيا لهذه المشكلة, فسرعان ما سيحل باعة آخرون محلهم في الشارع, وستستمر المشكلة طالما استمرت نفس الظروف الاقتصادية والأمنية التي أدت إلي تفاقمها بالاضافة الي انه لابد من مراعاة المصلحة العامة لجميع الشرائح الاجتماعية, وليس فئة واحدة- مهما علا ضجيجها- تتسبب في مشكلات بوجودها في الشوارع والميادين بشكل غير قانوني وهم( الباعة الجائلون) فيتم منحهم ما يريدون مقابل إسكاتهم, وقد يؤدي هذا القرار الي تشجيع الكثير من الباعة الجائلين الي سلوك نفس المسلك فيقوم كل بائع بإختيار أي مكان يرغب في الوقوف به ويطالب الدولة بتقنين أوضاعه أسوة بزملائه وساعتها لن تستطيع الدولة أن تكيل بمكيالين.
الحل الوحيد
بينما يؤكد اللواء طارق مهدي محافظ الاسكندرية ان فكرة إقامة الاكشاك هي الحل الوحيد للخروج من أزمة الباعة الجائلين ولإيجاد مورد رزق دائم لهم مع التنبيه عليهم بالالتزام بالأماكن المخصصة لهم, وعدم الوجود في نهر الشارع, وان إقامة هذه إلأكشاك لن يضر بشكل الميدان التاريخي حيث سيتم إقامة136 كشكا حول موقف السيارات وبعيدا عن الحديقة وان الاكشاك قام بتصميمها الدكتور هشام سعودي عميد كلية الفنون الجميلة بما يتماشي مع طبيعة المكان, بالإضافة لتوفير أماكن أخري قريبة من سنترال المنشية والجراج المجاور للكنيسة ومحطة مصر لبقية الباعة, ويؤكد المحافظ ان فكرة توفير اماكن لنقل البائعين لمول تجاري ليست جديدة وكانت مطروحة من قبل وتم التصديق عليها ولكنها لم تنفذ.
أكشاك مؤقتة
ويقول الدكتور هشام سعودي عميد كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية أنه مبدئيا لا يوافق علي تشويه أحد أشهر ميادين الإسكندرية خاصة أنه يعرف جيدا القيمة المعمارية والتراثية له, وأضاف أنه هو الذي قام بتطويره وتجميله في عهد المحافظ الأسبق اللواء عبد السلام المحجوب وأن الفكرة التي تم الاتفاق عليها مع اللواء طارق مهدي والباعة الجائلين لإقامة أكشاك مؤقتة من الصاج تجمع الباعة في منطقتين بعيدا عن حرم الميدان هما ميدان سانت كاترين وأمام سنترال المنشية تمهيدا لإعداد أماكن مناسبة لهم داخل المجمع التجاري أو جراج الإتحادية المزمع إقامته بجوار شارع فرنسا والذي من المفترض أن ينتهي العمل فيه خلال عام من الآن ويتم تخصيص جزء فيه للباعة واستثمار الباقي تجاريا, وأضاف سعودي أنه جار كذلك إعداد دراسة لمنطقة وسط المدينة وكيفية تسكين الباعة بها بما يتلاءم مع القيمة الحضارية لميادينها وشوارعها ودون الإضرار بالنسق المعماري وبالتالي فوجود هذه الأكشاك في ميداني المنشية ومحطة مصر هو حل مؤقت للمشكلة تمهيدا لحلها نهائيا وبما لا يخل بالنسق المعماري للميدانين.
مسابقة معمارية
وتؤكد الدكتورة دينا طه مدرس العمارة بهندسة الاسكندرية ان محافظة الإسكندرية قامت بالفعل بتنظيم مسابقة معمارية في2012 لإعادة تخطيط وتصميم ميدان المنشية وتم إعداد تصميم يحفظ للميدان جماله ويبتعد به عن العشوائية ويعيده الي سابق عهده وهو المخطط الذي تراه الأجدر بالتنفيذ وذلك لما قدمه من دراسات وحلول عمرانية جيدة جدا....أما عن مشروع الاكشاك الذي يقوم المحافظ بتنفيذه حاليا فهو لم يعرض علي لجنة الحفاظ علي تراث المدينة ولم يوافق عليه المختصون بتراث المدينة.... فكيف خرج للنور.
فكرة عبقرية
وعلي الطرف الآخر من المشكلة يقف الباعة الجائلون الذين يفترشون الميدان منذ عدة أعوام ويمثلهم عادل تمام رئيس جمعيتهم التي تم إشهارها منذ أكثر من عام والتي تضم في عضويتها أكثر من625 بائعا معروفين ومحددين بالاسم بمنطقة المنشية فيقول إن فكرة إقامة أكشاك مؤقتة ومتنقلة هي فكرة عبقرية لحل أزمات ميدان المنشية الذي يعترف بأهميته وأثريته فيقول أن الميدان الأثري يكتظ بالباعة الذين يفترشون الأرصفة ويخرجون الي حرم الطريق ويتسببون في أزمات مرورية ويستهلكون الكهرباء بدون حساب ومن هنا ففكرة الأكشاك جاءت لتقضي علي كل هذه المشاكل وتضع حدودا ملزمة للطرفين عليهم أن يحترموها, والمحافظة بدورها سوف تقوم ببناء المبني التجاري خلال6 أشهر لينتقل اليه البائعون ويتركوا الميدان الذي سيتم تنظيفه وإعادة تجميله ليعود اليه رونقه الحضاري ويتعهد الحاج عادل ـ كما يطلقون عليه بالمنشية ـ أن يتم تنظيف الميدان وإخلاؤه من الباعة تماما بمجرد الانتهاء من المول, فعلي حد قوله أن البائعين مواطنون مصريون يرغبون في العيش بشرف ويبحثون عن لقمة العيش بالحلال وعلي الحكومة أن تساعدهم.