للمدارس دور في المواجهة .. "العنف يحاصر أطفال مصر"
في أيام اتخذت من العنف والدم عنوانا لها, أصبحت مشاهد الموت والقتل سيناريو يوميا في الشوارع وعلي شاشات القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي .
وأصبح الاطفال عرضة لها حتي لو حاولنا تجنب هذا الأمر, وبالرغم من أن تصوير الجرائم المرتكبة ضد المصريين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية قد يفيد في البحث عن مرتكبها أو في توثيق هذه الجرائم إلا أنها كانت أيضا سببا في مشاهدة لحظات قاسية تسجل ما تعرض له هؤلاء من تعذيب بدني أو إهانة قبل لحظات من موتهم, أما الأشد قسوة ومهانة فهو مشاهدة أبنائهم لهذه النهاية الدامية.
وإذا كانت الأجيال الأكبر سنا تتأثر بهذه المشاهد وتنفعل معها سلبا أو إيجابا, فإنها تشكل نقطة فارقة في مستقبل الاطفال الذي ينذر حاضره الآن بجيل غير سوي مستقبلا.
ناقوس الخطر
اليتم نفسه له تأثير سلبي علي الطفل الطبيعي هكذا توضح الدكتورة عزة العشماوي مدير وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بالمجلس القومي للطفولة و الامومة فهو يمثل فقدان عزيز هو الأب ويشكل نوعا من الصدمة ونوعا من الخوف والقلق, لأنه فقد عائل الأسرة والسند, فما بالنا بالطفل الذي يفقد والده بهذه الصورة البشعة وهو ما يخلق لديه نوعا من الميل الي العنف ورغبة في الانتقام وايذاء الاخرين قد يصل الي الهواجس والهلاوس.
هذا الطفل كما تشير د. عزة- يحتاج الي مساندة نفسية وإعادة تأهيل لانه يعتبر طفلا ذا طبيعة خاصة, وعلي كل مؤسسات الدولة أن تهتم أيضا بإعادة التأهيل النفسي لابنائهم, لأن حدة العنف ضد الاطفال قد زادت بشدة في مجتمعنا, وتشير الي أن هذا التعاون بين الجهات الحكومية والمؤسسات المدنية لابد ان يتم من خلال المجلس القومي للطفولة والامومة كجهة تنسيقية
وتري مدير وحدة الاتجار بالبشر أن تداعيات العنف بالنسبة للأطفال علي الأمدين القصير والبعيد تكون جسيمة ومدمرة في الكثير من الأحيان. ويمكن للجراح البدنية والعاطفية والنفسية التي يخلفها العنف أن تترك انعكاسات قاسية علي نماء الطفل وصحته وقدرته علي التعلم. ويتبين من بعض الدراسات أن التعرض للعنف في الطفولة يقترن اقترانا شديدا بالسلوكيات المضرة بالصحة في المراحل اللاحقة من الحياة, كالتدخين وإدمان الكحول والمخدرات والخمول البدني والسمنة المفرطة. وتسهم هذه السلوكيات بدورها في بعض الأسباب الرئيسية للمرض والوفاة, بما فيها الأورام السرطانية والاكتئاب والانتحار واضطرابات القلب والأوعية الدموية.
المشهد الحالي
علي حين يذهب د. قدري حفني أستاذ علم نفس السياسي بجامعة عين شمس, إلي أنه لا ينبغي أن يتصور أحد إمكانية عزل الأطفال عما يجري في المجتمع, فالطفل لا يمكن أن نحتفظ به في زجاجة مغلقة, فهم شئنا أم لم نشأ جزء من المجتمع, فلقد رأينا منذ25 يناير أطفالا يحملهم أباؤهم أو أمهاتهم يسيرون في المظاهرات, كما رأينا أخيرا أطفالا يحملون أكفانا, إذن الأطفال جزء من المشهد نسعد به أحيانا ونحتج عليه أحيانا أخري, إضافة إلي أن الأطفال في البيوت يرون أقرانهم في هذه المشاهد كلها وهم يتأثرون بما يرون.
وإلي جانب الرؤية, كما يشير د. قدري فلدينا آلاف الأسر بها جرحي وضحايا, سواء من المحتجين أو من رجال الشرطة أو الجيش, ومن هنا فإن أطفالنا يشاهدون وكثير منهم عاشوا التجربة, تجربة فقدان أو جرح أصدقائهم أو أقربائهم أو حتي جيرانهم, ومثل هذه الجروح لا تندمل بسهولة, ولا تشفي بوصفة سريعة ولا بموعظة مهما يكن إخلاصها, ولذلك فعلينا أن نقبل أولا بهذه الظاهرة ولانغمض أعيننا عنها, ولا نكتفي باستنكارها, مؤكدين أن اندمال أو شفاء جروح الأطفال لا يمكن أن يتحقق إلا إذا حاولنا أولا تطبيب جراحنا نحن, لأن الأطفال كما أشرنا جزء من المجتمع, فالحديث عن كيف نعالج مشكلات الأطفال الناجمة عما شاهدوه وما شاركوا فيه, أمر عبثي, فإذا لم نواجه حقيقة أنفسنا ونتصالح مع بعضنا, فعلينا ان نقبل بأن يظل الأطفال متعاركين متصادمين,
ويضيف أنه لا فرق بين أطفال فقدوا أباءهم أو ذويهم لأن هؤلاء الأباء أو الأقارب كانوا من ضمن المعتصمينالمحتجين أو من رجال الشرطة أو الجيش أو قتلوا عن طريق الخطأ, فالطفل في النهاية يعيش في أسرة ويتأثر بمواقفها, والسؤال هنا هل هؤلاء الأطفال سيصبحون كما يتوجس البعض قنابل موقوتة؟ الأمر يتوقف مرة أخري علي كيف سيعالج الكبار خلافاتهم, فالكل يري قتلاه شهداء, والكل يري أن أباه قتل ظلما وعدوانا, ومن هنا فالمجتمع يتحمل العبء كاملا في انتشال أو في تهيئة المناخ لإبطال هذه القنابل الموقوتة, وإلا ستحدث مواجهة والتعبير عن العدوان والعنف في يوم حتي وإن طال الزمن.
للفضائيات دور سلبي
الشرح و التوضيح هما أهم مرحلة يجب ان يهتم بها أولياء الأمور في مواجهة هذه الأحداث هكذا شددت الدكتورة هاله حماد استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين, فمشاهد العنف التي غزت الفضائيات حتي فيما تذيعه من أغان وفواصل وتنويهات وكلام لضيوفها مستمرعن العنف والقتل, وربما تعرض الطفل لفقدان أحد ذويه في هذه الاشتباكات, كل ذلك يحتاج ان نقدم للطفل تفسيرا منطقيا للأحداث ولكنه تفسير لا يبرر العنف يؤكد علي انه حالة استثنائية وليس من المتوقع استمرارها, وأن تستغل هذه الفرصة في تعزيز الوطنية لدي ابنائنا, فالطفل يتساءل عما يحدث وعن اسبابه واذا لم يحصل علي تفسير مقنع لهذا العنف والقتل فسوف يبحث عنه بعيدا عن الأهل عن طريق البحث أو من الاصدقاء أو يستخلص الأمر بنفسه ويقتنع بتفسيره, ومن ثم قد يكون هذا الاستنتاج صحيحا أو خطأ.
وتشير استشاري الطب النفسي للاطفال و المراهقين الي أن هذه المشاهد تسبب للطفل قلقا نفسيا وتحسبا للخطر وشعورا بعدم الامان, خاصة أن الأهل أنفسهم في حالة ترقب وقلق,أما اذا كان هذا الطفل قد تعرض بشكل مباشر للعنف أو تعرض له أحد ذويه, فلابد من حصوله علي تأهيل نفسي حتي لا يصاب بالاكتئاب أو يصبح قبول هذا الطفل للعنف أكبر, ولا يتأثر في المستقبل بمشاهد القتل أو الدم ويتأصل لديه احساس دائم بعدم الامان وعدم الثقة ويتقوقع علي نفسه.
وتري الدكتورة هالة أن جرعة العنف التي يتعرض لها الطفل المصري بصفة عامة كبيرة جدا, فإضافة إلي متابعته الفضائيات مع أسرته, ومشاهدته لأحداث العنف والقتل بشكل يومي, والحديث المتكرر عنها, فهو أيضا يمارس أشياء أخري بخلاف مشاهدته مع أسرته مثل الكارتون وألعاب الفيديو, وكل ذلك يجعل العنف ومشاهد الدم مقبولة لديهم.
وتري أن المدارس عليها دور كبير جدا في الفترة المقبلة في مساعدة الأطفل وتأهيلهم نفسيا وأن تعلمهم كيف لا يتم استقطابهم في المستقبل وكيف يتخذ الطفل قرارات.
نعمة النسيان
بينما يراهن د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة علي نعمة النسيان, فحين يموت أي أحد نحزن ثم ننسي بسرعة شديدة, ومن ثم التكيف مع أحداث الحياة, فالأطفال الذين مات أباؤهم سوف يعانون لا شك, ولكن علي المدي الطويل مستبعد أن ينتقم, إلا لو كانت المسألة ثأرا, والخطر هو التغذية من الأسرة علي العداء للدولة ومؤسساتها كالجيش والشرطة, ومطلوب من الدولة أن تهتم بهذا الأمر في مؤسسات التعليم,وتضمين المناهج أن من قتل فهو قتل في ظروف مختلفة وعلي الإعلام ألا يلعب دورا سيئا علي المدي الطويل, كذلك فإن دور الأسرة المكلومة من الطرفين مهم جدا سواء الشرطة والجيش أو المواطنين المعتصمين, ولابد التركيز علي أن هناك قتلي من الطرفين, إذن فالقضية مشتركة ولابد من مواجهتها في المؤسسة التعليمية ونبرة الخطاب السياسي والديني بحيث يقرب ولا يفرق, والحث علي المصالحة والوئام والتقارب.