التحرير.. الاتحادية.. رابعة.. النهضة
ميادين مصرية.. حكايات وتاريخ وأسماء
"الأسبوعي" يبحث في تاريخ أماكن مهمة في مصر
التحرير.. الاتحادية.. رابعة العدوية.. نهضة مصر مع كثير من الميادين والأماكن المصرية صاحبة التاريخ العريق اكتست الآن برداء الثورة والاعتصامات.. الكثير منا لا يعرف حكاية وتاريخ هذه الأماكن.
الأسبوعي يبحر في ذاكرة مصر من خلال حكايات وتاريخ وأسماء هذه الأماكن التي يتحدث فيها الفنان التشكيلي الكبير د.مصطفي الرزاز والمؤرخ د.خلف الميري أستاذ التاريخ الحديث في جامعة عين شمس.
يعتبر ميدان التحرير من أكبر وأهم ميادين القاهرة. ويتميز بتخطيطه الذي يتفرع علي شكل شعاع وتصل منه وإليه عدد كثير من أهم شوارع وميادين العاصمة بالإضافة إلي العديد من البنوك ومؤسسات الدولة. وقد تم إنشاؤه في عهد الخديو إسماعيل ولذا أطلق عليه ميدان الإسماعيلية نسبة إليه. وهو يحاكي الشانزليزيه في فرنسا. تجسيدا لما كان يبديه الخديو من إعجاب خاص بتخطيط باريس. وروعي أن تكون له مخارج ومداخل عديدة.
يقول د. خلف عبد العظيم الميري استاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك بجامعة عين شمس ميدان التحرير قبل كثير من مواقع محافظة القاهرة- قبل بضعة قرون- كانت أرضا زراعية. وكان يطلق علي موضعه هذا في العصر المملوكي زريبة قوصون نسبة لأحد الأمراء. ولكن تبدل الحال منذ القرن التاسع عشر. إثر التطور العمراني وخاصة في عهد الخديوي إسماعيل "1863-1879م" وزادت أهمية هذا المكان منذ إنشاء كوبري قصر النيل 1872م الذي ربط مدينة القاهرة بأرض الجزيرة الزراعية ثم الضفة الغربية للنيل. وكانت تفرض رسوم للمرور به. وإليه نسب الميدان في أول الأمر. فقيل له ميدان الكوبري أو ميدان قصر النيل. ثم أصبح اسمه ميدان الإسماعيلية نسبة للمنطقة ككل. التي تم إنشاؤها من حوله نسبة للخديو إسماعيل. وظل هكذا إلي أن تغير الاسم إلي ميدان التحرير بعد ثورة يوليو 1952 تعبيراً عن التحرير من الاستعمار.
وهو يعمر بكثير من المعالم ذات الدلالات التاريخية سواء في الأماكن الموجودة به أو الشوارع التي تبدأ أو تنتهي إليه وتحمل أسماء وطنية. وفي مقدمة هذه الأماكن المتحف المصري الذي تم افتتاحه عام 1902. ومبني جامعة الدول العربية. ومسجد عمر مكرم. ومقر وزارة الخارجية القديم والمعهد الدبلوماسي. ومبني فندق النيل هيلتون الذي كان في موقعه ثكنات الجيش البريطاني إبان الاحتلال. ومجمع المصالح الحكومية الذي تم إنشاؤه في عهد الملك فاروق. والجامعة الأمريكية وغيرها.
وكان الميدان ولا يزال ساحة للحركة الوطنية. فقد شهد مظاهرات حاشدة ضد الانجليز في ثورة 1919. وكذلك مظاهرات 1935 مثلما شهد الميدان أحداثاً لا يمكن محوها من الذاكرة التاريخية. ومنها حريق القاهرة 25 يناير 1952 الذي أدي إلي احتراق عدد هائل من المباني التاريخية الأثرية مثل فندق شيبرد القديم. وقد تحول الميدان بعد العدوان الثلاثي علي مصر 1956 إلي مكان التجمع الرئيسي للمصريين للتطوع دفاعا عن مصر في بورسعيد. وكان دائماً وأبدا يشهد زخما في الأحداث الوطنية خاصة مع اقترابه من مجلس قيادة الثورة في أرض الجزيرة. الذي يصله عن طريق كوبري قصر النيل.
وفي عام 1964 شهد الميدان انعقاد أول مؤتمر قمة عربي في مبني الجامعة العربية. وفي 9 يونيو 1967 انطلقت الجماهير إلي الميدان ترفض تنحي الرئيس جمال عبد الناصر. وفي سبتمبر 1968 شهد الميدان مظاهرات الطلاب والشباب ضد الأحكام التي صدرت ضد المسئولين عن هزيمة 1967 وطالبوا بالمزيد من الحرية والديمقراطية مما دعا عبد الناصر إلي إصدار بيان 30 مارس 1968. وفي يناير 1972 احتشدت في الميدان المظاهرات الطلابية من جامعة القاهرة ضد الرئيس أنور السادات تطالبه بالحرب. بعدما انقضي عام 1971 الذي أسماه عام الحسم العسكري مع إسرائيل.
وفي أكتوبر 1973 وبعد عام واحد من الثورة ضد السادات شهد الميدان من جديد أكبر حشد لتحية السادات بعد حرب 1973 عند قدومه لخطاب النصر أمام مجلس الشعب إلا أن نفس الميدان شهد مظاهرات عارمة ضد الرئيس السادات والحكومة في يناير 1977 عندما تم رفع أسعار عدد من السلع الأساسية.
وعند اندلاع الحرب ضد العراق أبريل 2003 اشتعلت المظاهرات بالميدان وأمام جامعة االدول العربية منددة بالعدوان الأمريكي علي العراق الشقيق. وفي 25 يناير 2011 سطر شعب مصر بمظاهراته وانتفاضاته ثورته الرائعة في ميدان التحرير. وفي 30 يونيه سطر صفحة جديدة في تاريخه القومي المجيد..
قصر الاتحادية
فندق ثم مقر لعدة وزارات في عهد السادات مقر لاتحاد الجمهوريات العربية اشتهر بقصر العروبة والاتحادية ويستخدم لاستقبال الزيارات الرسمية.
قصر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة أو قصر العروبة أو قصر الاتحادية يقع في هليوبوليس. مصر الجديدة بالقاهرة.
هو قصر العمل الرسمي لرئاسة الجمهورية في مصر. يستقبل فيه رئيس الجمهورية الوفود الرسمية الزائرة.
افتتح قصر هليوبوليس "مصر الجديدة" في البداية كفندق جراند أوتيل "grand hotel" حيث افتتحته الشركة الفرنسية المالكة في الأول من ديسمبر 1910 كباكورة فنادقها الفاخرة في أفريقيا.
صمم القصر المعماري البلجيكي ارنست جاسبار حيث احتوي علي 400 حجرة إضافة إلي 55 شقة خاصة وقاعات بالغة الضخامة. وتم بناء القصر من قبل شركتين للإنشاءات كانتا الأكبر في مصر في ذلك الوقت هما شركة "ليو رولين وشركاه" وشركة "بادوفا دينتامارو وفيرو" فيما قامت شركة ميسس سيمنز آند شوبيرت في برلين بمد الوصلات الكهربائية والتجهيزات.
تم تأثيث حجرات المبني آنذاك بأثاث فاخر وتحديدا من طرازي لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. أما القاعة المركزية الكبري فقد كانت مكلفة فقد وضعت بها ثريات ضخمة من الكريستال كانت الأضخم في عصرها وكانت تحاكي الطراز الشرقي.
بالنسبة لقبة قصر فندق هليوبوليس فارتفاعها يبلغ 55 متراً من الأرض وحتي السقف. وتبلغ مساحة القاعة الرئيسية 589 متراً مربعا وصممها ألكسندر مارسيل وقام بشئون الديكور بها جورج لوي كلود وتم فرشها بسجاد شرقي فاخر ووضعت بها مرايا من الأرض إلي السقف أيضاً مدفأة ضخمة من الرخام كما وضع 22 عمودا إيطاليا ضخما من الرخام.
كان في الجهة الأخري من القاعة الكبري توجد قاعة طعام فاخرة تكفي 150 مقعداً وقاعة أخري ضمت 3 طاولات بلياردو منها اثنتان كبيرتا الحجم من طراز ثرستون. أما الأثاث الذي كان من خشب الموهاجني فقد جيء به من لندن فيما ضمت الحجرات العلوية مكاتب وأثاثا من خشب البلوط جيء بها من محلات كريجير" في باريس.
الطابق السفلي ومنطقة العاملين كان من الضخامة بحيث تم تركيب سكة حديدية خاصة بطول الفندق وكانت تعبر مكاتب الإدارة والمطابخ والثلاجات والمخازن ومخازن الطعام والعاملين.
اعتبر الفندق من أفخم الفنادق آنذاك وكان معماره المتميز ما لفت إليه النظر وأصبح عامل جذب سياحي للعديد من الشخصيات الملكية في مصر وخارجها إضافة إلي رجال الأعمال الأثرياء وكان من ضمن نزلاء القصر ميلتون هيرشي مؤسس ومالك شركة هيرشي للشيكولاتة الأمريكية الشهيرة. وجون بيربونت مورجان الاقتصادي والمصرفي الأمريكي الشهير ومؤسس مجموعة j.pmorgan الأمريكية. والملك ألبير ملك بلجيكا وزوجته الملكة إليزابيث دو بافاريا.
عاصر فندق قصر هليوبوليس الحربين العالميتين مما عزز نشاطات القصر من الشخصيات الوافدة كما تحول في بعض الفترات من الحربين إلي مستشفي عسكري ومكان لتجمع الضباط من قبل سلطة الاحتلال البريطاني في مصر.. في الستينيات استعمل القصر الذي صار مهجورا بعد فترة من التأميم كمقر لعدة إدارات ووزارات حكومية.
في يناير العام 1972ù في فترة رئاسة السادات لمصر صار القصر مقرا لما عرف باتحاد الجمهوريات العربية الذي ضم آنذاك كلا من مصر. سوريا وليبيا ومنذ ذاك الوقت عرف باسمه الحالي غير الرسمي "قصر الاتحادية" أو "قصر العروبة".
في الثمانينيات وضعت خطة صيانة شاملة للقصر حافظت علي رموزه القديمة وأعلن بعدها المجمع الرئاسي في مصر للحكومة المصرية الجديدة برئاسة الرئيس مبارك.
لم يكن يقيم رئيس الجمهورية المصري السابق حسني مبارك في القصر سوي في أوقات العمل الرسمية حيث كان يسكن في منزله الخاص بجوار القصر.
رابعة العدوية "أم الخير"
من تشييع جثامين المشاهير إلي اعتصام جماعة الاخوان ومن شخصية متصوفة زاهدة إلي معتلين عدوانيين دمويين
مسجد رابعة العدوية هو أحد أشهر المساجد بالقاهرة. يقع المسجد بحي مدينة نصر وترجع شهرة المسجد الكبري لخروج جنازات المشاهير منه وذلك لقربه من مقار شرق القاهرة.
تم إشهار جمعية مسجد رابعة العدوية عام .1993
أما عن شخصية رابعة العدوية نفسها فذكر انها رابعة العدوية "100 هجريا/ 717ميلاديا- 180 هجريا- 796 ميلاديا" وتكني بأم الخير. عابدة وصوفية تاريخية وإحدي الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي. وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب العشق الإلهي.
هي رابعة بنت إسماعيل العدوي. ولدت في مدينة البصرة. ويرجح مولدها حوالي عام "100 هجريا- 717 ميلاديا" من أب عابد فقير. وهي ابنته الرابعة وهذا يفسر سبب تسميتها "رابعة فهي البنت" الرابعة.
وقد توفي والدها وهي طفلة دون العاشرة ولم تلبث الأم أن لحقت به. لتجد رابعة وأخواتها أنفسهن بلا عائل يعينهن علي الفقر والجوع والهزال. فذاقت رابعة مرارة اليتم الكامل دون أن يترك والداها من أسباب العيش لهن سوي قارب ينقل الناس بدارهم معدودة في أحد أنهار البصرة كما ذكر المؤرخ الصوفي فريد الدين عطار في "تذكرة الأولياء".
اختلف الكثيرون في تصوير حياة وشخصية العابدة رابعة العدوية فقد صورتها السينما في فيلم سينمائي مصري والذي قامت ببطولته الممثلة نبيلة عبيد والممثل فريد شوقي في الجزء الأول من حياتها كفتاة لاهية تمرغت في حياة الغواية والخمر والشهوات قبل أن تتجه إلي طاعة الله وعبادته. في حين يقول البعض إن هذه صورة غير صحيحة ومشوهة لرابعة في بداية حياتها. فقد نشأت في بيئة إسلامية صالحة وحفظت القرآن الكريم وتدبرت آياته وقرأت الحديث وتدارسته وحافظت علي الصلاة وهي في عمر الزهور. وعاشت طوال حياتها عذراء بتول برغم تقدم أفضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلي الأيمان والتعبد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد.
تمثال نهضة مصر
د. مصطفي الزراز: نحته المصريون من قروشهم وحجر الجرانيت تمثل التحدي والحلم بالغد
تمثال نهضة مصر تمثال كبير من حجر الجرانيت. يعد رمزاً لمصر الحديثة وأهم أعمال الفنان المصري النحات محمود مختار علي الإطلاق. كما أن له دلالة خاصة في الإشارة للأحداث السياسية التي مرت بها مصر في تلك الفترة الهامة حيث كانت مصر تطالب بالاستقلال.
وقال د. مصطفي الزراز الفنان التشكيلي المعروف إن التمثال يمثل فتاة مصرية تزيح النقاب عن وجهها وتساعد تمثال أبي الهول علي النهوض وتضع يدها علي رأسه وهي رمز لمصر وهي تنظر إلي المستقبل. فالتمثال عبارة عن قوة رمزية تجمع بين بعث المجد للمصريين القدماء من ثباته الطويل لشق عصر جديد مديد من الإدارة والاصالة واستغرق من العمل ثلاث سنوات.
جاءت فكرة نحت تمثال ليمثل نهضة مصر في تلك الفترة السياسية الهامة من تاريخ مصر إلي الفنان محمود مختار في عام 1917. فبدأ خلال 1918-1919 في نحت تمثال كبير يبلغ حجمه نصف حجم التمثال الحالي وعندما أكمله عرضه في عام 1920 في معرض الفنون الجميلة السنوي في باريس ونال إعجاب المحكمين والرواد من المهتمين بفن النحت.
وحدث أن ذهب سعد زغلول ورفاقه من رجال حزب الوفد إلي فرنسا وتحديداً باريس لأول مرة قاموا بزيارة معرض الفنون الجميلة وشاهدوا التمثال المصري وأعجبوا به وكتبوا إلي مصر يشجعون علي إقامته في القاهرة وبعد عودة سعد زغلول طرح مجلس النواب والبرلمان مشروع اكتتاب قومي لجمع مبلغ يكفي لإنشاء تمثال يمثل نهضة مصر واعتبر عملاً وطنياً كبيراً ووافق مجلس الوزراء في 25 يونيو 1921 وفي عام 1922 تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وانتشرت الحان سيد درويش وتزامن ذلك مع الانتهاء من التمثال.
أسهم الشعب المصري في اكتتب عام لإقامته ثم أكملت الحكومة التفقات. وفي 20 مايو عام 1928 أقيمت حفلة كبري في ميدان باب الحديد- "رمسيس حالياً" لإزاحة الستار عن التمثال وكانت فكرة وضعه في هذا المكان آن يراه العامة في ذهابهم وايابهم اثناء سفرهم للاقاليم.
ثم نقل التمثال من مكانه الأول إلي ميدان جامعة القاهرة في عام 1955 وكانت الفكرة انه يكون قدوة لابناء الجامعة والمصريين عاملوا التمثال باحترام كبير وتم طبع صورته علي العملات الوطنية.
وعلق قائلاً ان قوة الفن وقوة الرمز هي حياة الأمة وأي طمس مصيره الرجوع للخلف.