الحل الغائب لأزمة السولار
لاتزال أزمة السولار تلقي بظلالها علي حركة الحياة في مختلف القطاعات والأنشطة التجارية.. فموسم الحصاد يواجه غياب آلية لتوزيع السولار علي المزارعين..
والطوابير مستمرة أمام المحطات.. وهناك تكدس مروري في الشوارع الرئيسية والجانبية.. والسوق السوداء تنتعش.. والتهريب إلي الدول المجاورة مازال مستمرا.. وماكينات الري مهددة بالتوقف.. ومحطات الكهرباء تخرج من الخدمة بين الحين والآخر, بسبب نقص إمدادات السولار.. والسماسرة يفترشون الأرصفة بالجراكن.. وارتفاع تعريفة نقل الركاب والبضائع..
وبالرغم من أن أسباب الأزمة وحلولها معروفة للجميع.. فإن الجهات المعنية لم تتوصل إلي حلول جذرية لها, فما إن تهدأ الطوابير أمام المحطات.. حتي تعود الأزمة من جديد, لأسباب عديدة- ترصدها تحقيقات الأهرام في صعوبة تدبير التمويل اللازم لاستيراد السولار من الخارج, بينما لا تزال عمليات التهريب مستمرة عبر الانفاق والمواني والسفن, ناهيك عن المشكلات التي تعانيها منظومة نقل السولار علي منافذ البيع بالمحطات, كما أن سماسرة الأزمات لايزالون ينتشرون علي الطرق الرئيسية وفي المناطق العشوائية لبيع السولار المدعوم بأسعار مضاعفة مستغلين الأزمة, ولا يزال السائقون, وأصحاب أفران الخبز, وماكينات المصانع تعاني نقصا حادا في السولار, مما يؤدي إلي توقفها عن العمل في بعض الأحيان, في انتظار انفراج الأزمة, حيث يتم ضخ كميات كبيرة في المحطات, ثم تختفي بسبب الإقبال الشديد من جانب المستهلكين, وتظل منظومة المواد البترولية بحاجة إلي حلول جذرية, يأتي في مقدمتها ضرورة تكثيف الرقابة علي الأسواق, ومعاقبة المتلاعبين بها, وسد منافذ التهريب, حتي لا يتسرب السولار المدعم إلي الخارج, في وقت تشهد فيه البلاد أزمة طاحنة في المواد و المنتجات البترولية.
الأزمة تشتعل!
وبشكل عام, والكلام هنا للدكتور حسام عرفات رئيس شعبة المواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية- فإن أسباب الأزمة وحلولها معروفة للجميع.. وقبل عدة شهور, بحت أصواتنا بسبب التنبيه من خطورة أزمة نقص السولار علي موسم الحصاد.. ولم يتحرك أحد, مشيرا إلي أن وزارة البترول قد أعلنت قبل أيام عن توفير120 مليون لتر سولار لموسم حصاد القمح, الذي بدأ بالفعل في الصعيد وتحديدا في محافظة سوهاج منذ أوائل الشهر الحالي, وسيبدأ الشهر المقبل في محافظات الوجه البحري, لكن لم تتحدث الوزارة عن الآلية التي ستقوم من خلالها بتوزيع السولار علي المحافظات التي يتم فيها الحصاد, وهل سيتم التوزيع علي الحيازة الزراعية؟.. وما هي المحطات التي سيتم إرشاد المزارعين إليها للحصول علي السولار؟.. وحسبما هو معلن من أرقام حول المساحات المنزرعة بالقمح في مصر والتي تقدر بنحو3.5 مليون فدان- بحسب الإحصاءات الرسمية- فإن حصاد فدان القمح يحتاج إلي ما بين20 لترا إلي25 لترا من السولار كما قالوا لنا خلال اجتماع برئاسة الجمهورية-, مما يعني أن موسم الحصاد يحتاج إلي ما بين80 إلي85 مليون لتر سولار, في حين تم الاعلان عن توفير120 مليون لتر سولار, أي هناك نحو45 لترا لن يكون المزارعون بحاجة إليها؟؟ فأين ستذهب هذه الكميات؟
السولار والحصاد
وكما هو معروف, والحديث ماز ال لـ الدكتور حسام عرفات, فإن موسم الحصاد لا يستغني أبدا عن وجود السولار.
> سألناه: ألم تتحدث عن هذه المشكلات خلال الاجتماع الذي شاركت به في رئاسة الجمهورية أخيرا؟
- رئيس شعبة المواد البترولية: لقد طلبونا للمشاركة في اجتماع بالرئاسة.. وتحدثت عن أسباب أزمة السولار, وأبعادها, وتفاصيلها كاملة, وطرحنا مع العديد من المشاركين الكثير من الحلول, لكن يبدو أنه لا توجد هناك إرادة لحل الأزمة, لأن دور الرئاسة يقتصر علي مجرد التنسيق بين الجهات المعنية بالأزمة, وليس إلزامها بحلول محددة لتجاوز الأزمة, ولاشك أن أزمة السولار سوف تتفاقم خلال الفترة المقبلة ما لم يحدث تدخل رئاسي.. فقد سبق أن حذرت في11 مارس الماضي عبر الفضائيات والصحف من أزمة السولار وانعكاساتها علي موسم الحصاد, وقد ناشدت الرئيس بالتدخل لحل الأزمة من خلال آليات محددة.
حلول مطروحة
أما الآليات التي أراها ضرورية لحل أزمة السولار- والكلام مازال للدكتور حسام عرفات- فتشمل ضرورة ضخ أموال لشراء السولار, خاصة أن مصر بحاجة إلي نحو40 مليون لتر من السولار يجب توفيرها يوميا بشكل فعلي في المحطات, وليس علي الورق, كما يجب تكثيف الرقابة علي المواني والأنفاق, لمواجهة التهريب إلي الدول المجاورة وفقا لما يردده المسئولون, وكذلك تكثيف الرقابة علي الأسواق, لمواجهة السوق السوداء التي تنتعش وقت الأزمات, حينما تقل الكميات المتوفرة بالمحطات عن الكميات المطلوبة, وضمان عدالة توزيع السولار علي مختلف المحطات, وليس لمحطات وطنية وحدها, والتي أصبحت تشهد زحاما شديدا من جانب السيارات للحصول علي السولار, ولابد من إعادة محطات الرصيف أو ما يطلق عليها العهد والتي يبلغ عددها نحو8 آلاف محطة, وكانت تعمل داخل القري والنجوع, وكانت تسهم بشكل أو بآخر في توفير السولار بتلك المناطق, كما كانت تسهم في تخفيف الأزمات, إلا أنه تم وقفها عن العمل, لحين توفيق أوضاعها, مشيرا إلي أن فكرة توزيع المنتجات البترولية كالبنزين والسولار بالكوبونات, لن تسهم في حل الأزمة, لأنه لا توجد آلية لتطبيقها, وقد ناقشنا ذلك خلال اجتماعنا برئاسة الجمهورية, كما ناقشنا الأزمة خلال اجتماع ايضا في محافظة الغربية بحضور المحافظ, وشكلنا لجنة عليا للوقود بالمحافظة, وطرحنا الكثير من الآليات والحلول لمواجهة أزمات الوقود, لكن كل هذه الأطروحات والأفكار تنتهي دائما بالسؤال الحائر الذي لا يجد إجابة قاطعة وهو: أين المنتج؟, إذ يجب توفيره أولا, ومعه يجب أن نضع آليات لمحاسبة المتلاعبين, والمهربين, وتجار السوق السوداء.
وقد أصبح من الضروري- وفقا للدكتور حسام عرفات- أن يتم تكليف جهة رسمية كالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لإعداد قاعدة بيانات حول عدد مستهلكي الطاقة, سواء كانوا أفرادا أو منشآت, أو سيارات, أو غيرهم ممن يستخدمونها, وكذلك الأنشطة المختلفة, والكميات التي يحتاجها كل هؤلاء, وهل الكميات التي سيتم توزيعها علي المستهلكين بنظام الكوبونات كافية لهم, أم لا؟.. فليس من المعقول أن تدعم الدولة الطاقة بنحو114 مليار جنيه سنويا, ولا تقوم بإعداد مثل هذه الدراسة, التي يمكن أن ترصد الاحتياجات الحقيقية اليومية من البنزين أو السولار, والكميات المطلوب توفيرها.
سوء إدارة أم توزيع؟
ومن بين أسباب أزمة السولار الحالية, كما يقول وكيل إحدي شركات البترول في شمال الصعيد- رفض ذكر اسمه- أن الانتاج لا يكفي, وبالتالي لا مفر من استيراد السولار من الخارج, وهنا تواجه الحكومة أزمة التمويل, إذ لابد من تدبير المبالغ المطلوبة بالعملة الصعبة, في وقت يتآكل فيه الاحتياطي من النقد الأجنبي, بالإضافة إلي عجز الموازنة, بعكس ما كان معمولا به قبل قيام ثورة يناير, حيث كان من الممكن شراء السولار بالآجل, ودفع نسب محددة خلال فترات محددة حسب شروط الصفقة, وبالتالي فإن عدم القدرة علي سداد قيمة الصفقة بالكامل يسهم في إيجاد الأزمة, ومع تأخر وصول المراكب, تنشأ أزمات طاحنة ليس في السولار وحده, ولكن في مختلف المواد البترولية, مشيرا إلي أن الأسعار شهدت ارتفاعا, ومعها ارتفعت رسوم نولون النقل, وبذلك يتم التعاقد علي استيراد مركب واحد من السولارمثلا, وعندما نتعاقد علي بقية المراكب, وندبر المبالغ اللازمة لها, يستغرق الأمر بعض الوقت, فتستمر الأزمة وتتفاقم, ومن ثم ندور في حلقة مفرغة من الأزمات البترولية. والحال هذه, فإنه يجب إعادة النظر في سعر السولار, فاللتر يباع للمستهلك بسعر110 قروش, في حين تستورده الدولة بنحو330 قرشا, وبالتالي تتحمل الحكومة هذا الفارق, ونتيجة نقص المعروض من السولار في المحطات, نشأت السوق السوادء, والتي تباع فيها صفيحة السولار( سعة20 لترا) بسعر60 جنيها, في حين لا يتجاوز سعرها الرسمي بالمحطات نحو22 جنيها, ومع ذلك فهي ليست متوافرة في السوق السوداء بكميات كبيرة, ولذلك لا مفر من ضرورة وضع برنامج واضح وشفاف لرفع سعر السولار علي مراحل, بحيث يتم توفيره في المحطات, وعليه يتم تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة.
ولا يمكن أن تمر أزمة السولار دون الحديث عن سوء الادارة, وسوء التوزيع, ففي السابق, كان أصحاب المحطات يطلبون ما يشاءون من كميات, أما الآن, وفي ظل الأزمات المتكررة, فقد أصبحت الشركات تعمل بنظام الكميات التعاقدية, حيث يتم تحديد متوسط استهلاك السنوات الثلاث الأخيرة,, كحل منطقي للتعاقدات التي تم الاتفاق عليها منذ سنوات طويلة, والتي لم تعد تكفي المحطات لزيادة عدد المستهلكين, فالبعض استجاب, فيما رفض البعض الآخر, ومن ثم اصبحت الكميات تصل المحطات بما لا يكفي الاحتياجات المقررة, وبالتالي تختلف الكميات الموردة من منطقة إلي أخري حسب رؤية إدارات التموين, فتجد السولار متوافرا في منطقة, ويشهد أزمة في منطقة أخري.
القطاع الخاص متهما
الأزمة كما يقول الدكتور أيمن جاهين- الخبير البترولي- سوف تظل مستمرة, وهي مشكلة دعم في الأساس, وفي ظل الأزمات المتكررة, لم يعد من المقبول استمرار القطاع الخاص في سوق المواد البترولية, ومن ثم يجب علي الحكومة إدارة هذه المنظومة بمفردها أو بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني و الجمعيات الأهلية, مشيرا إلي أن أزمة السولار تزيد حدتها في أوقات الانفلات الأمني, وغياب الرقابة والفوضي, كما أن عمليات تهريب البنزين المدعم والسولار لن تتوقف, مادام القطاع الخاص طرفا في منظومة تعبئة المواد البترولية أو نقلها أو توزيعها, أو بيعها, وعلي الحكومة ان تعمل من الآن علي وضع حلول جذرية من بينها رفع الأسعار تدريجيا, والتصدي للسوق السوداء, وسماسرة الأزمات بكل حزم, كما أنه من الضروري تفعيل منظومة النقل النهري, لتقليل استخدام السولار, ووقف إصدار تراخيص تسيير المركبات التي تعمل بالسولار لتخفيف الضغط علي السولار, كوسيلة لحل الأزمة.